ومن أهل الكتاب قوم خلطوا بين التوحيد والتثليث ، وحرفوا في الكتب وغيروا ، ونسبوا لله ولدا أو شريكا وهؤلاء قد ضلوا السبيل ، وعموا عن الطريق ، ومع هذا فيأمرنا الدين بدعوتهم بالتي هي أحسن ، لأن الإسلام يحترم حرية الرأى والعقيدة ويطلب من الناس أن يعاملوه بها ، وهو بدوره يعامل الناس بها.
نعم إذا سلك أهل الكتاب طريقا معوجا بأن نقضوا العهود. وألّبوا الناس ضد الإسلام ، ووقفوا في سبيل نشر دعوته بالقوة ، ومنعوا دعاته بالعنف والشدة فلم يسلكوا في رد الإسلام الحجة والبرهان بل سلكوا سبيل القوة والبطش ، أليس هؤلاء قد ظلموا وتجاوزوا الحد المعقول؟ أمن العدل والكرامة أن يقف الإسلام منهم موقف الخزي والذل ، ويطأطئ رأسه احتراما لظلمهم وعنفهم؟ كلا وألف كلا! فلن يقف الإسلام موقف المتفرج ممن يهدم بيته ويقض مضجعه ـ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ورجاله يبغون إحدى الحسنين ـ بل يقابل الشدة بمثلها ويمنع الظلم بالقتال.
وانظر إلى تأديب القرآن وإرشاده لنا بأن نقول عند الجدال بالحسنى : نحن يا أهل الكتاب آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ، وآمنا بأنبيائكم ورسلكم فنحن قوم لم نفرق بين نبي ونبي ، ولم نؤمن ببعض الكتب دون بعض ، على أن الكل يؤمن بالله الأحد الفرد الصمد ، ونحن له مسلمون ومنقادون فما المانع أن تكونوا كذلك؟ وتؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم على أنه خاتم الأنبياء ، ورسالته ناسخة لكل الرسالات ، فالدستور الجديد ينسخ العمل بالقديم. وقد بشر بالقرآن وبمحمد في كتبكم ، ومثل ذلك الإنزال الذي أنزلناه على موسى وعيسى أنزلنا إليك يا محمد الكتاب. أى : القرآن ، فليس من العدل أن نؤمن ببعض الكتب ونكفر ببعض ، فالذين آتيناهم الكتاب كموسى وعيسى وداود يؤمنون بالنبي محمد وبكتابه بل وبشروا به وأمروكم بتصديقه إذا ظهر بعلاماته المعروفة عندهم.
ومن هؤلاء ، أى : أهل الكتاب المعاصرين من يؤمن به ويصدق لأنه آثر الباقية على الفانية ، ولم تغره الدنيا بزخارفها كأمثال عبد الله بن سلام ، وتميم الأنصارى وغيرهم كثير.
وما يجحد بآياتنا الظاهرة التي تدل على صدق رسولنا محمد إلا الكافرون ، وأنتم