التعجب من حالهم ؛ فإن الخطأ في شركهم ظاهر للعيان ، والضرر اللاحق بهم لا يختلف فيه اثنان ، فماذا بقي بعد ذلك؟ أعندهم حجة؟ بل أهم مأمورون بذلك حتى نلتمس لهم العذر؟ لا هذا ولا ذاك : ولكنهم في ضلالتهم يعمهون.
هذه حال المشركين في الشدة والرخاء ، وهي حال ظاهر فيها الشرك وسوء الرأى كالشمس ، وهناك حال أخرى قد تكون أخف ، حال من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به ورضى ، وإن أصابه شر أو سوء قنط به وسخط ، وإذا ذاق نعمة من الله ورحمة فرح بها وسر ، وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (١) فهم لا يصبرون عليها صبرا قليلا لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ، ويهبهم من لدنه فرجا ، ولكنهم قوم يستعجلون ، لم تخالط بشاشة الإيمان قلوبهم ، فهم يعبدون الله للدنيا والنعمة ، وأما المؤمن حقّا فصابر على البلاء راض بالقضاء ، شاكر ربه في السراء والضراء. وهو إن أعطى من الدنيا شكر ، وإن حرم صبر ..
أنسوا ولم يعلموا أن الله يبسط الرزق ويوسعه لمن يشاء بقطع النظر عن الكفر والمعصية والذنب؟ ويقتر الرزق على من يشاء بصرف النظر عن الإيمان وصالح الأعمال؟ فالدنيا عند الله لا تزن جناح بعوضة ، وليست محل ثواب أو عقاب ، فالمؤمن هو الراضي بقضاء الله الذي لا ييأس من رحمة الله ، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ، ولا يبطر إن أصابته نعمة بل يقوم بالشكر والثناء (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) [سورة الحديد آية ٢٣] إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون.
وإذا كان الرزق من الله ، وهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويضيق على من يشاء ، فآت كل ذي حق حقه ، ولا تبخل بما آتاك الله ، وجعلك خليفة عليه ، أعط ذوى القربى حقهم والمسكين وابن السبيل ، ذلك خير في نفسه ، وأى خير؟ للذين يريدون وجه الله ، ويقصدون بذلك رضاء الله لا يفعلون ذلك رياء وسمعة ، وأولئك هم المفلحون الذين سعدوا في الدنيا والآخرة.
يقول العلماء : إن الربا نوعان : ربا لا إثم فيه ، وربا فيه إثم كبير. أما الأول فهو من يهب أو يهدى قاصدا أن ترد هديته بزيادة له. والثاني الربا المحرم شرعا الذي يمحقه الله
__________________
(١) ـ سورة النساء آية ٧٩.