أما هؤلاء الرسل الذين أرسلوا إليكم ومن آمن بهم من المؤمنين فإنا ننصرهم ونؤيدهم بالحق والآيات البينات (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فهذا شأننا دائما ننصر رسلنا ومن آمن بهم بالحجة والسلطان المبين ، وبالانتقام لهم من الكفار بالقتل والسبي والعذاب المبين وغير ذلك من العقوبات ، ولا يقدح في ذلك ما نراه الآن في المسلمين. فإنهم إذا آمنوا حقّا أتاهم نصر الله بين عشية أو ضحاها.
ويوم يقوم الأشهاد من الملائكة والنبيين وصالحي المؤمنين ، أما الملائكة فهم الكرام الكاتبون يشهدون بما شاهدوا ، وأما النبيون فالله يقول : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (١) وأما المؤمنون فالله يقول : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (٢) ويوم يقوم الأشهاد وهو يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم. ولهم فيه اللعنة ، ولهم سوء الدار ، ترى أن القرآن وصف الكفار في هذا اليوم بأنه لا تنفعهم المعذرة ، ولهم سوء الدار وبئس المصير!!
أما المؤمنون فالله ينصرهم ويؤيدهم ويهديهم ؛ ولذلك يقول : ولقد آتينا موسى الهدى (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) (٣) وجعلنا بنى إسرائيل يأخذون الكتاب ، أى : التوراة ويستحقونه استحقاق الميراث حالة كونه مصدر هدى وهداية ، ومنبع ذكرى وتذكر ، ولكن لأولى الألباب.
وإذا كان الأمر كما ذكر فاصبر يا محمد على أذى المجادلين في آيات الله بغير حق ، اصبر على أذاهم فالله ناصرك ومؤيدك ، وعاصمك من الناس جميعا ، إن وعد الله حق ، وعليك أمران ، أحدهما أن تتوب إلى ربك وتستغفر من ذنبك ، وثانيهما أن تسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ، وهذا أدب للأمة الإسلامية رفيع ، وإنما خوطب به النبي صلىاللهعليهوسلم ليعلم أنه طريق لا بد منه ، وأدب عال رفيع يجب أن يتحلى به كل مسلم ، وانظر إلى هدى القرآن حيث قدم التوبة والمغفرة على العمل ، فإنه لا يقبل العمل إلا بعد أن تطهر القلوب من الآثام بالتوبة ، والتوبة قد تكون من عمل خلاف الأولى ، ولذا لا غرابة أن الله يأمر بها النبي صلىاللهعليهوسلم.
__________________
١ ـ سورة النساء آية ٤١.
٢ ـ سورة البقرة آية ١٤٣.
٣ ـ سورة المائدة آية ٤٤.