بالباطل ، قد دفعهم الكبر وحب الرياسة إلى هذا الجدال الممقوت ، ما هم ببالغي ما يريدون ، لأن الله أذلهم ، وقضى على أطماعهم.
وقيل : إن الآية نزلت في يهود المدينة ، وهي مدينة ، الحق أن كل جدال في آيات الله من مشركي مكة أو يهود المدينة أو من غيرهم كبر مقته عند الله وعظم جرمه مطلقا ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
إذا كان الأمر كذلك فاستعذ بالله ، والجأ إليه من كيد الكائدين ، وحسد المشركين ، وفيه رمز إلى أن ذلك كان من همزات الشياطين (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) (١). إنه هو السميع لكل قول ونية ، البصير بكل فعل وعمل ، ولو كان من إشارات العيون وخطرات القلوب.
لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس بدءا وإعادة فلا تجادلوا في أمر البعث فإن الله خلق السموات وما فيها ، والأرض وما عليها وما في باطنها من عوالم ، فلا تظنوا أن الله هذا ليس بقادر على أن يحيى الموتى ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس.
ولا يستوي الأعمى عن الحق ، والبصير به ، ولا يستوي المؤمنون الذين عملوا الصالحات ، وأحسنوا العمل ، ولا المسيئون الذين أساءوا الفهم والتقدير حتى جادلوا في آيات الله كلها وكان تذكرهم قليلا جدّا.
إن الساعة لآتية لا شك فيها ، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون لقصور نظرهم ، وسوء رأيهم.
وقال ربكم : ادعوني أثبكم ثوابا يتكافأ مع أعمالكم ، وفعلكم الطاعات ، وترك الذنوب والآثام هو الدعاء ، فمن ترك الذنب فقد دعا. وأخلص في الدعاء ، ومن يقترف ذنبا فليس بداع إلى الله وإن دعا ألف سنة. وبعضهم فسر الدعاء بالعبادة ، ويؤيد هذا قوله تعالى : إن الذين يستكبرون عن عبادتي ودعائي سيدخلون جهنم داخرين أذلاء صاغرين ، وحق من يستكبر عن دعاء ربه الذي رباه وخلقه ، وصوره فأحسن صوره أن يدخل جهنم صاغرا ذليلا ، ومهينا حقيرا.
__________________
١ ـ سورة الأعراف آية ٢٠٠.