بين الحق والباطل ، وكان لا بد من عقاب العصاة وإثابة المؤمنين ، فكان الهلاك والتدمير لبعض الأمم ، ونزعت البركة من الناس ، وعوقبوا بنقص في الأموال والأنفس والثمرات كي يتوبوا ويثوبوا إلى رشدهم ، وهذا معنى قوله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فكان القحط ونزع البركة وحلول بعض الآفات جزاء في الدنيا لأعمال الكفار والعصاة لعلهم يرجعون عماهم فيه ، فإن من الناس من لا يستقيم أمره إلا بإيقاع العذاب عليهم سريعا.
ثم أكد تسبب المعاصي لغضب الله ونكاله حيث كلفهم بأن يسيروا في الأرض لينظروا كيف أهلك الله الأمم السابقة ، وأذاقهم سوء العذاب لطغيانهم وسوء أعمالهم وكأن قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) كالبرهان على أن الشرك وحده لم يكن سبب التدمير وإيقاع العذاب ، بل قد يكون ما دونه مما تحقر من الأعمال هو سبب البلاء والعذاب ، نعم فالمسلمون الآن يؤمنون بالله ، ولكنهم يأتون أعمالا هي سبب خذلانهم وضعفهم وإيقاع العذاب بهم ، فهل من مدكر؟!
لما نهى الكافر عما هو عليه ، أمر المؤمن بالواجب عليه فقال مخاطبا الرسول إيذانا بخطر المأمور به ، وعناية به :
إذا كان الأمر كذلك فأقم وجهك ، واجعل قصدك خالصا للدين القيم الذي هو الإسلام فهو دين الفطرة الإنسانية ، ولا تلتفت لغيره أبدا من قبل أن يأتى يوم الحساب والجزاء ، وهو يوم لا يرده راد ، ولا يتهيأ لأحد دفعه من دون الله. يومئذ يصدعون ويتفرقون ، فريق في الجنة وفريق في السعير ، وهذا شحذ للهمة ، وتحريض على انتهاز الفرصة من قبل هذا اليوم.
من كفر فعليه وزر كفره وعاقبته ، ومن عمل صالحا بعد الإيمان فلنفسه طلب الخير ، ولها مهد مقعدا كريما وهيأ لها مسكنا مناسبا يتناسب مع ما قدم من العمل.
كل ذلك ليجزي ربك الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله ؛ إذ لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله ، ولكن بمحض فضل الله.
أما الكفار فإن ربك لا يحبهم ، وناهيك بعدم المحبة فهي عنوان العذاب الدائم والألم الشديد بما كانوا يكسبون ، وما ظلمهم الله ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ..