وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً. كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) [الإسراء ١٨ ـ ٢٠] وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها. فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [الشمس ٧ ـ ١٠] وروى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من أصبح وهمّه الدّنيا شتّت الله ـ تعالى ـ عليه همّه وجعل فقره بين عينيه ، ولم يؤته من الدّنيا إلّا ما كتب له ، ومن أصبح وهمّه الآخرة جمع الله همّه وجعل غناه في قلبه وأتته الدّنيا وهي راغمة عن أنفها».
وهذا هو أساس الدعاء وأصل الضلالة والشقاء يكشف عنه القرآن. حيث يقول : بل ألهم شركاء شرعوا لهم من الدين شيئا لم يأذن به الله ، ولا شرعه ولا سنه ، ولم يأت نبي أبدا يوصى به ، وشركاؤهم أصنامهم وأوثانهم وشياطينهم الذين زينوا لهم الشرك وإنكار البعث والوقوع في المعاصي ، ولما كانت الشركاء سببا في ذلك جعلت كأنها شارعة لضلالتهم وآمرة بها.
ولو لا كلمة الفصل والقضاء العدل الذي حكم الله به على نفسه حيث قال : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [سورة الأنفال آية ٣٣] لو لا هذا لقضى عليهم بالفناء كما فعل مع غيرهم ، وقيل : المراد الفصل بين المؤمن والكافر.
وإن الظالمين لأنفسهم بالشرك والمعاصي لهم عذاب أليم في الآخرة. ولو ترى ـ يا من تتأتى منه الرؤية ـ إذ الظالمون يوم القيامة مشفقون مما كسبوا من أعمال في الدنيا حيث يرون ما أعد لهم من عذاب شديد. وهو واقع بهم لا محالة ، وهذا الإشفاق لا يغنى عنهم شيئا.
والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنة ، أى : مستقرون في أطيب بقاعها وأعلى منازلها لهم فيها ما يشاءون ، وما يتمنون عند ربهم ، ذلك هو الفضل الكبير ، وأى فضل يدانيه؟ إنه فضل لا يعرف قدره ولا يقف على كنهه إلا خالقه.
ذلك الفضل الكبير هو الذي يبشر الله به عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويعدهم به ، ومن أصدق من الله حديثا؟
والناس لتوغلهم في المادة وتعلقهم بالدنيا ، ولأنهم لا يعملون إلا لغرض يظنون الظن السيّئ بمن يقوم بعمل الخير. ويدعو إلى العمل الصالح ، هؤلاء الناس دائما ينسبون أعمال الناس إلى غايات ومنافع دنيوية ، وقديما وصفوا دعوة النبي بهذا ، فيرد الله عليهم