ولكن الحق ـ تبارك وتعالى ـ ينزل بتقدير الخبير البصير ما يشاء من الرزق لمن يشاء من الخلق تبعا للحكمة والمصلحة التي تخفى على كثيرين ، إنه بعباده خبير بصير ، فهو يستجيب لدعاء المؤمنين إن عاجلا أو آجلا ، وقد يكون في المرض أو الفقر مصلحة والبغي كما يكون وليد الغنى يكون تابعا للفقر ، فكلما دخل الفقر بلدا دخل الكفر. والخروج عن المألوف معه ، ولكن من المسلم به أن البغي مع الغنى أكثر ، والذي عليه نظام العالم من وجود الغنى والفقر هو علاج المجتمع وهو النظام المحكم الدقيق.
وقال القرطبي ـ رحمهالله ـ قال علماؤنا : أفعال الرب ـ سبحانه وتعالى ـ لا تخلو عن مصالح وإن لم يجب عليه فعل الصلاح ، فقد يعلم من حال عبده أنه لو بسط عليه الرزق قاده ذلك إلى الفساد فيزوى عنه الدنيا مصلحة له ، فليس ضيق الرزق هوانا ولا سعة الرزق فضيلة ، وقد أعطى أقواما مع علمه أنهم يستعملونه في الفساد ، ولو فعل بهم خلاف ما فعل لكانوا أقرب إلى الصلاح ، والأمر على الجملة مفوض إلى مشيئته.
وروى عن أنس من حديث طويل «وإنّ من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلّا الغنى ولو أفقرته لأفسده الفقر. وإنّ من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلّا الفقر ولو أغنيته لأفسده الغنى. وإنّنى لأدبّر عبادي لعلمي بقولهم فإنّى عليم خبير».
وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما يئسوا من رحمته ، وهو الذي ينشر رحمته إذ هو واسع الفضل كثير الخير ، وهو الولي الحميد (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [سورة الشرح الآيتان ٥ و ٦] ولن يغلب عسر واحد يسرين.
ومن آياته الدالة على كمال القدرة وتمام العلم والحكمة وأن هذا العالم يسير بحكمة الحكيم الخبير ، من آياته خلق السموات والأرض وما فيهما من عوالم لا يعلمها إلا الله خالقها ، ومن آياته ما بث فيهما من دابة لا يعلمها إلا الله ، يظهر أن قول العلماء الطبيعيين : إن في الكواكب حياة ، كلام له نصيب من الصحة ، فالآية تثبت أن في السماء والأرض قد بث الله فيهما دابة تدب وتتحرك أما حقيقتها في السماء فلا يعملها إلا خالقها ـ سبحانه وتعالى ـ وإن كان من المقطوع به أنها ليست إنسانا ، وهو على جميع خلقه يوم يشاء جمعهم للحساب قدير.
وما أصابكم أيها الناس في الدنيا من مصيبة فبما كسبته أيديكم ، واقترفته جوارحكم حتى بعض الأمراض والآفات الزراعية ، ويظهر والله أعلم أن الذنوب نوعان ، نوع