لا يستحقها إلا رجل شريف ، والشرف عندهم وليد المال ، لذلك أنكروا على محمد بن عبد الله الرسالة ، ولكن الله يرد عليهم فيفحمهم بقوله : أهم (١) يقسمون رحمة ربك؟! أنكر عليهم أنهم يقسمون رحمة الله وفضله على الناس ، وأنى لهم ذلك؟ وهم أجهل الناس بأنفسهم فكيف يعرفون غيرهم ويعطونه حقه من الفضل؟! نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا. وأعطينا هذا مالا وذاك أولادا ، وهذا مالا ورجالا ، وذلك فقير من المال والرجال. وكذلك في الصحة والنعم الأخرى ، وكان العطاء والمنع لحكم الله يعلمها ، لا لشيء آخر.
ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات في الفضل والجاه وغيره فكانت النتيجة أنهم اتخذ بعضهم بعضا سخرياّ! كل يخدم نفسه ، وإن كان في الظاهر يخدم غيره ، ورحمة ربك الشاملة للنبوة وغيرها خير مما يجمعون من حطام الدنيا الفاني.
هذه الدنيا وما فيها من أموال لا تزن عند الله جناح بعوضة ، ولو كانت تزن لما أعطى الكافر منها جرعة ماء ، وهي سجن المؤمن ومتاع غيره ، والآخرة خير وأبقى ، ولو لا أن يكون الناس أمة واحدة على ديدن الكفر لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم (٢) سقفا من فضة ، ومعارج من فضة كذلك عليها يعرجون ويصعدون ، ويجعلون لبيوتهم أبوابا ولهم سرر عليها يتكئون وتكون من فضة خالصة ، ويجعل لهم زينة في أثاثهم ومتاعهم وقصورهم ومراكبهم تتناسب مع كل زمان ومكان.
لو لا أن يكون الناس كفارا لميلهم إلى الدنيا وزخارفها بطبعهم لجعل الله لهم ذلك هوانا للدنيا ، وتحقيرا لشأنها ، وأنها متاع فان لا قيمة له ، ولذا قال ما معناه : وإن كل ذلك (٣) إلا متاع الحياة الدنيا ، والآخرة خير وأبقى ، والجنة ونعيمها الدائم قد أعدت عند ربك للمتقين.
ولا عجب في ذلك فإن من يعش عن ذكر الرحمن ، ويتعام عن النظر في القرآن ويصم أذنيه عن سماع الحق يقيض الله له شيطانا ، ويهيئ له ذلك لأنه آثر العمى على
__________________
١ ـ الاستفهام هنا للإنكار والتعجب.
٢ ـ لبيوتهم بدل من لمن يكفر بالرحمن.
٣ ـ هذا الحل المعنوي يشير إلى أن لما بمعنى إلا ، وإن بمعنى ما النافية ، وفي قراءة : لما بالتخفيف ، وعليه فما زائدة أو موصولة وصدر الصلة محذوف ، وأن هي المخففة من الثقيلة.