هؤلاء المجرمون تمر عليهم فترات طوال ، ففي فترة يسكتون ولا يتكلمون ، ولا يؤذن لهم فيعتذرون ، وفي حالة أخرى ينادون : يا مالك ادع لنا ربك حتى يقضى علينا بالموت والهلاك ، فنخرج من ذلك الموقف الشديد وهذا العذاب الأليم ، فيسكت مالك ولا يجيب زمنا الله أعلم به ، ثم يقول لهم : إنكم ماكثون.
وقد روى أن أهل النار استغاثوا بالخزنة وسألوهم أن يخفف عنهم ربهم يوما واحدا من العذاب فردت الخزنة عليهم أسوأ رد (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ* قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) (١) فلما يئس الكفار مما عند الخزنة نادوا مالكا ليسأل لهم ربهم الموت فسكت عنهم لا يجيبهم ثمانين سنة ثم بعدها قال لهم : إنكم ماكثون.
وذلك لأنا جئناكم في الدنيا بالحق الذي لا شك فيه ، وفيه الخير لكم فلم تقبلوه وكان أكثركم ـ أى : رؤساؤكم ـ للحق كارهين.
بل أبرم مشركو مكة أمرا ، وكادوا كيدا للنبي صلىاللهعليهوسلم فإنا مبرمون كيدنا حقيقة (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) (٢) فالآية تشير إلى ما كان منهم من تدبير قتله ـ عليه الصلاة والسلام ـ في دار الندوة بمكة ، وإلى ما كان من إحباط تلك المؤامرة ورد كيدهم في نحورهم (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (٣).
بل أهم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم؟ وكيف لا يسمع سرهم ونجواهم علام الغيوب الذي يعلم السر وأخفى وهو العليم بذات الصدور ، بل يسمعها ويطلع عليها رسله التي جعلها معقبات من بين أيديهم ومن خلفهم يكتبون كل ما صدر عنهم من الأفعال سرا أو جهرا ليلا أو نهارا.
فيا خير من تكتب له الحسنات ، ويا ويل من تكتب له السيئات.
__________________
١ ـ سورة غافر الآيتان ٤٩ و ٥٠.
٢ ـ سورة الطور آية ٤٢.
٣ ـ سورة المائدة آية ٦٧.