المعنى :
يبين الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن في طبع الإنسان وغريزته استشارة غيره وخاصة في مهمات الأمور ، وقد كان الناس يتشاورون في شأن الدعوة الإسلامية فمنهم من كان صديقه وخليله يدعوه إلى الخير ويحثه على سلوك الطريق المستقيم ، ومنهم من كان صديقه وخليله يدعوه إلى الشر ويحثه عليه ، فإذا رأى يوم القيامة أن عمله كان خطأ ، وأن مشورة خليله كانت وبالا عليه أنحى باللائمة على صديقه ، بل يصير عدوا من ألد أعدائه ، وينسب إليه كل أفعاله طالبا من الله عقابه أشد العقاب ، وقد قص القرآن علينا صورا كثيرة مما سيحصل بين التابعين والمتبوعين والقادة والعامة.
الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ، فإنهم يظلون على صداقتهم التي أنتجت لهم الخير ، وهدتهم إلى الحق ، فهم على سرر متقابلون ، وعلى الأرائك ينظرون. وقد نزع الله ما في صدورهم من غل ، ويقال لهم تطمينا وتثبيتا : يا عبادي لا خوف عليكم فيما مضى ولا أنتم تحزنون في المستقبل ، ويقال لهم تكريما : ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم حالة كونهم مسرورين ، ويطاف عليهم بصحاف من ذهب ، وأكواب من فضة ، فيها من الشراب والطعام ما لا عين رأته.
روى الترمذي عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلىاللهعليهوسلم هل في الجنة من إبل؟ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن يدخلك الله الجنّة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذّت عينك» نعم في الجنة ما تشتهيه الأنفس ، وتلذه الأعين من كل شيء لا يقع تحت الوصف ، ولا يدركه العقل ، فإن ذكر طرف منه فتقريب للخيال ، وتصوير لبعض ما هنالك «فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» وأنتم أيها المؤمنون مع هذا فيها خالدون ، ويقال لكم : تلك الجنة التي استحققتم متاعها كما يستحق الوارث ميراثه بسبب ما كنتم تعملون ، لكم فيها فاكهة ، ولكم فيها ما تدعون.
هذا هو الوعد الذي وعده الله للمتقين ، وأما وعيد الكافرين فها هو ذا : إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون إلى ما شاء الله ، عذاب دائم مقيم ، لا يخفف عنهم فيها بل هم فيها ماكثون ، وهم من رحمة الله آيسون وساكتون ، وما ظلمهم ربك ، ولكن كانوا هم الظالمين لأنفسهم بالشرك والمعاصي.