في حكمه ما خلق هذا الخلق عبثا ، ويستحيل أن يتركه هملا بل لا بد من يوم يحاسب فيه كل إنسان على ما قدم ، ويثاب عن عمله ، وخالق هذا الكون يستحيل عليه أن يسوى بين الظالم والمظلوم ، والمؤمن والكافر والطائع والعاصي ، بل لا بد من يوم الفصل ، وليس الأمر بالهزل ، وهذه الدنيا المحفوفة بالمكاره ، القصيرة الأجل ، الكثيرة الألم هي دار عمل ، وليست دار جزاء (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١) ما خلقناهم إلا متلبسين بالحق ، وما خلقناهم إلا لإظهار الحق وإثابة كل عاص وطائع لأن هذا من أقوى دعائم الحق ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وهذا هو الكلام على يوم الفصل وما فيه ، وبدأ بالكلام على الأهوال التي يصادفها العصاة والكفار لعلهم يرتدعون.
إن يوم الفصل ميقات الناس جميعا ، وإن يوم الفصل والقضاء بالعدل بين المسيء والمحسن والطائع والعاصي حتى يكون فريق في الجنة وفريق في السعير (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) (٢). (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) (٣) فهذا هو يوم الفصل ، يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا. يوم لا ينفع فيه ابن والده ولا يجزى والد عن ولده ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، ولا صديق حميم (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٤) إلا من رحمة الله تعالى بالعفو عنه وقبول الشفاعة فيه لا يمنع من العذاب إلا من رحمهالله إنه هو العزيز الرحيم لمن أراد رحمته.
إن الشجرة الملعونة في القرآن هي شجرة الزقوم وهي طعام الآثمين العصاة وهي شجرة تنبت في قعر جهنم ، فإذا جاع أهل جهنم التجأوا إليها فأكلوا منها ، فيغلي الأكل في بطونهم كما يغلى الماء الحار ، وهذا الأكل كالمهل ، وهو يغلى في البطون كغلي الحميم ، ثم يقال لزبانية جهنم : خذوه فجروه جرّا بعنف وشدة ، خذوه فجروه إلى وسط جهنم ثم صبروا فوق رأسه عذابا وهو الحميم ، ويقال للكافر حينئذ : ذق هذا إنك أنت العزيز الكريم ، يقال له هذا تقريعا وتوبيخا على ما كان يزعمه (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) (٥) ثم يقال لهم : إن هذا العذاب وما أنتم فيه الآن هو ما كنتم فيه تمترون وتشكون!!
__________________
١ ـ سورة ص آية ٢٧.
٢ ـ سورة الممتحنة آية ٣.
٣ ـ سورة الروم آية ١٤.
٤ ـ سورة البقرة آية ١٢٣.
٥ ـ سورة الكهف آية ٣٦.