والمعنى : أخبرنى عن حال من اتخذ إلهه هواه ، أى : ترك متابعة الهدى وطاوع النفس والهوى حتى كأنه يعبده!! فهذه حال تدعو إلى العجب ، وكان الحارث بن قيس لا يهوى شيئا إلا ركبه ، والعبرة من الآية بعموم لفظها.
والنفس الإنسانية دائما تدعو إلى الشر ، وتهدف إلى الضار ، والإنسان يهوى ما فيه حتفه ، ولهذا ذم القرآن دائما اتباع الهوى في غير موضع (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ) [سورة الأعراف آية ١٧٦]. (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) [سورة الروم آية ٢٩]. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعا لما جئت به».
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وطار وراء ما تهواه نفسه ، وقد خلقه الله ضالا عالما أنه من أهلها ، ولا يصلح لغيرها ، وختم على سمعه وقلبه فلم يعد يدخلهما نور من الوعظ والإرشاد ، وجعل ربك على بصره غشاوة مانعة من الاعتبار ورؤية الآيات .. أفرأيت هذا الموصوف بتلك الصفات الأربع! فمن يهديه من بعد إضلال الله له؟ لا أحد يقدر على ذلك.
أعميتم فلا تتعظون بهذا؟ وتعلمون الخير في الابتعاد عن الهوى والرجوع إلى طريق الهدى ، وهذا يقتضى من الله التوفيق والهداية ، وفتح السمع والقلب وتنوير البصائر حتى يمتلئ القلب بنور الحق ، والله هو الهادي إلى سواء السبيل ، وهو نعم المولى ونعم النصير.
وانظر إلى بعض معتقداتهم الفاسدة حيث قالوا : ما هي إلا حياتنا الدنيا فقط ولا حياة بعدها ، ونحن نحيا فيها ونموت ، ويحييا بغضنا ويموت البعض الآخر ، وليس موتنا من طريق الخالق يتوفى أرواحنا بسبب ملك الموت ، بل ما يهلكنا إلا الدهر فقط ، فإذا طال عمرنا ، وضعفت قوانا ماتت أجسادنا وحدها وصرنا إلى فناء ليس بعده حياة ، وما لهم بذلك من علم يقيني ، إن هم إلا يظنون ظنا لا أساس له من حجة ولا سند له من دليل ، وكان المشركون أصنافا منهم من يشك في البعث ، ومنهم من يجزم بعدم وجوده ، وانظر إليهم ، إذا تتلى عليهم آياتنا الناطقة بالحق والصادرة من رب الخلق ، حالة كونها بينات واضحات تدل دلالة واضحة على قدرة الله على البعث وإحياء الموتى