وقد كان أشد شيء على نفوس المسلمين وخاصة أمثال عمر ـ رضى الله عنه ـ شرطا قبله النبي صلىاللهعليهوسلم وخلاصته أن من ارتد من المسلمين قبله المشركون ، ومن جاء من المشركين إلى النبي صلىاللهعليهوسلم رده النبي ولم يقبله ، وحجة النبي في ذلك أن من ارتد عن الإسلام فلا حاجة لنا به ، ومن جاء مسلما منهم وحاول اللحاق بالمسلمين فليصبر وسيجعل الله له مخرجا.
وقد أثبتت الحوادث أن هذا العهد كله ـ خاصة هذا الشرط الذي ظنه المسلمون مجحفا بهم ـ حكمة سياسية ، وبعد نظر كان له أكبر الأثر في الدعوة الإسلامية. فهذا أبو بصير وقد إلى النبي مسلما ينطبق العهد عليه برده إلى قريش لأنه خرج بغير رأى مولاه ، فقال له النبي حينما طلب إليه الرجوع : يا أبا بصير إنا قد أعطينا لهؤلاء عهدا ولا يصح لنا الغدر ، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا فانطلق إلى قومك ، قال أبو بصير : أتردنى إلى المشركين يفتنونى في ديني؟!
وأخيرا بعد حوار مع مرافقيه نزل في مكان على ساحل البحر الأحمر في طريق قريش إلى الشام ، واجتمع معه جمع من المسلمين الفارين بدينهم ، وأخذوا يقطعون على قريش سبيل تجارتهم حتى ضجوا وطلبوا من النبي بإلحاح أن يجيرهم من هؤلاء ، وأن يبقيهم معه في المدينة ، وسقط بذلك الشرط الذي أقلق عمر وغيره.
أليس هذا فتحا مبينا فتح الله به على المسلمين ، وكان فتحا مبينا ، وفوزا عظيما؟! نعمه هو أعظم الفتوح ؛ فقد رضى المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالراح ـ الراحة ـ ويسألوكم القضية ، ويرغبوا إليكم في الأمان ، ويعاملوكم معاملة الأنداد ؛ وقيل : هو فتح مكة ، ولتحقق وقوعه عبر عنه الله بقوله : فتحنا.
وهل الفتح علة لمغفرة الله لنبيه ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ وقد أجاب العلامة الزمخشري عن ذلك بقوله : لم يجعل علة للمغفرة فحسب ، ولكن لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة ، وهي المغفرة ، وإتمام النعمة ، وهداية الصراط المستقيم ، والنصر العزيز ، كأنه قيل : يسرنا لك فتح مكة ـ هو يرى أن الفتح لمكة ـ ونصرناك على عدوك لنجمع لك بين عز الدارين والجزاء العاجل والآجل ، ويجوز أن يكون الفتح من حيث هو جهاد للعدو سببا للغفران والثواب والهداية للصراط المستقيم ، والنصر العظيم وما تقدم من الذنب وما تأخر المراد به : ما فرط من النبي صلىاللهعليهوسلم وهو المعصوم عن