معصية ربه ـ من خلاف الأولى بالنسبة لمقامه فهو من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وقيل : المراد ما هو ذنب في نظره العالي ، وإن لم يكن في الواقع كذلك ، ولعل الإضافة في قوله : (ذنبك) تشير إلى هذا المعنى ، وبعض العلماء يفسر المغفرة للذنب بالستر بينه وبين صاحبه فلا يقع منه ، أو بالستر بين الذنب وبين عقابه ، والمعنى الأول يعامل به المعصومون من الأنبياء ، والثاني يعامل به بقية البشر ، ويتم نعمته عليك بإعلاء الدين وانتشاره ودخول الناس فيه أفواجا ، وما أفاضه عليك ربك من نعم الدنيا والآخرة.
ويريك صراطا مستقيما في تبليغ الرسالة ، وينصرك الله نصرا عزيزا ذا عز ، لا ذل معه ، أو هو عزيز المنال فريد المثال ، والنصر لا يكون إلا من عند الله ، ولذا أظهر لفظ الجلالة معه.
وهذا فضل الله على نبيه ، أما فضل الله على المؤمنين من أصحابه فقال الله فيه : هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ، ووضع فيها الطمأنينة والثبات بعد التزعزع والاضطراب الذي جعل عمر يقول : ألسنا مسلمين؟ ألسنا على الحق؟ فعلام نعطى الدنية في ديننا؟! ، ولكن الله بعد هذا أنزل الطمأنينة في قلوبهم وأثلج صدورهم ببرد اليقين ، وشرحها لما رآه النبي ، وصدقت الأيام رأيه كما مر ، أنزل في قلوبهم السكينة ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ، ويقينا على يقينهم ، ولا غرابة في ذلك فلله جنود السموات والأرض ، وما يعلم جنود ربك إلا هو ، وكان الله عليما كامل العلم بجميع الأمور حكيما كامل الحكمة فلا يضع الشيء إلا في موضعه.
دبر سبحانه ما دبر من تسليط المؤمنين على الكافرين ليعرفوا نعمة الله ـ تعالى ـ في ذلك ويشكروها فيدخلهم الجنة (١) ، ويكفر عنهم سيئاتهم ، وكان ذلك عند الله فوزا عظيما ؛ وفعل ذلك أيضا ليعذب المنافقين والمنافقات لغيظهم من تمام النعمة على المسلمين ، ولا شك أن ازدياد الإيمان بالعمل مما يغيظ المنافقين والمشركين ، ولعل تقديم المنافقين والمنافقات على المشركين والمشركات لأنهم أكثر ضررا على المسلمين ، أعنى بهم
__________________
١ ـ العلة في الحقيقة معرفة النعمة والشكر عليها لكنها لما كانت سببا في دخول الجنة أقيم المسبب ـ دخول الجنة ـ مقام السبب.