يا بنى إنها الفعلة السيئة أو الحسنة إن تك مثقال حبة من الخردل فتكن في جوف صخرة ، أو في أى ركن في السماء أو في الأرض يأت بها الله ، ويعطى عليها جزاءها كاملا ، فإنه يعلمها إذ هو يعلم الغيب والشهادة ، وهو اللطيف الخبير.
يا بنى أقم الصلاة فإنها عماد الدين ، وأمر بالمعروف. وانه عن المنكر ، أمره بما يقوم نفسه ، وهو الصلاة ، وما يقوم مجتمعه وبيئته وهو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فإن أصابك شيء في سبيل ذلك ـ ولا بد أن يأتيك ، على أن الإنسان في الدنيا غرض لسهام الأحداث والمنايا ، والسهام إذا انطلقت لا ترد ـ فاصبر على ما أصابك إن ذلك من مكارم الأخلاق ، وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة ، ولا تصعر خدك : لا تمله عن الناس تهاونا بهم ، وتكبرا عليهم ، بل أقبل عليهم بوجهك مستبشرا منبسطا من غير كبر ولا علو ، ولا تمش في الأرض مرحا ، وتمشى بخيلاء فإن ذلك كله يغضب الله إنه لا يحب كل مختال فخور ، وتوسط في مشيك فلا تمش مشى المتماوتين ، ولا تثب وثب الشطار قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن». وأما قول عائشة ـ رضى عنها ـ : كان إذا مشى أسرع في مشيته ، فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوتين.
واغضض من صوتك ، أى : انقص بعضه واخفضه حتى لا يصل إلى الصوت الأجش الذي يؤذى الجليس ، ويقرع الصماخ بقوته ، وربما يخرق طبلة الأذن ، على أن ارتفاع الصوت دليل على شيء من الغرور والاعتداد وعدم الاكتراث بالغير ، والمراد التوسط حتى لا يجهر جهرا ممقوتا ، ولا يخافت مخافتة مرذولة ، وخير الأمور أوساطها.
فإن من يرتفع صوته في الحديث حيث لا مبرر أشبه بالحمار ، وصوته كالنهاق إن أنكر الأصوات وأوحشها لصوت الحمير ، وكانت العرب تجعل الحمار مثلا في الذم والغباوة ، وكذلك نهاقه.
انظر إلى لقمان الحكيم وهو يوصى ابنه بعدم الشرك بالله ، الظاهر والخفى ، ويوصيه بأن الله عالم الغيب والشهادة وهو يعلم السر وأخفى وسيجازى على ذلك كله فراقبه وأحسن في العمل ، ثم يوصيه بإقامة الصلاة ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مهما تحمل في سبيل ذلك ، ثم يوصيه بالصبر على المكروه فإنه من عزم الأمور ، وعالج فيه أدواء النفس الإنسانية فقال له : لا تصعر خدك ولا تتكبر ، ولا تمش مرحا مختالا