ربك ، ولا كفرك بضاره في شيء فإنه غنى عن الخلق ، محمود في السماء والأرض بلسان الحال أو بلسان المقال ، وإن لم يحمده أحد من الناس.
هذا هو لقمان الحكيم ، أما وصيته لابنه ، فاسمعها وتدبرها ، فإنها وصية حكيم لابنه ، والأب يحب الخير لابنه جدا ، فإذا كان عاقلا حكيما كانت وصيته أولى بالاتباع وكان في ذكرها تحريض وإلهاب لكل من يسمعها ليعمل بها ، ويتفانى في تحقيقها ، فماذا قال؟ وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه : يا بنى لا تشرك بالله أحدا غيره من خلقه إن الشرك لظلم عظيم ، وأى ظلم أكثر من هذا! إن الظلم وضع الأمور في غير نصابها ، ولا شك أن من يسوى بين الخلق والخالق وبين الصنم وبين الله ـ جل جلاله ـ لا شك أنه وضع الأمور في غير وضعها الصحيح فهو حرى بأن يوصف بالظلم ، هذا هو الوضع السليم بين الأب وبنيه يعظهم ويرشدهم ، ويجنبهم المهالك فإذا تغير الوضع وصار الأب والأم مدعاة للشرك ، ومصدرا للعصيان فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ولهذا جاءت الآية (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ ..) معترضة بين وصية لقمان لتحديد موقف الابن من أبيه إذا دعاه إلى ما يضله ويرديه فإن الصحيح أن هذه الآية نزلت في سعد بن أبى وقاص وأمه حمنة بنت أبى سفيان كما مر في سورة العنكبوت وذكر القرطبي في تفسيره : أن طاعة الأبوين لا تراعى في ارتكاب كبيرة ولا ترك فريضة وتلزم طاعتهما في المباحات.
ووصينا الإنسان بوالديه أمه وأبيه ، وأمه أحق بالعطف من أبيه كما ورد في الحديث «من أحقّ النّاس بالبرّ؟ قال أمّك» كررها ثلاثا ثم قال : ثم أبوك ، لأنها حملته حالة كونها تضعف ضعفا على ضعف ، وفصاله في عامين.
وصيناه أن اشكر لي ولوالديك ، فهما قد ربياك وأوجداك في الظاهر ، والله قد خلقك في الواقع ونفس الأمر ، وإن جاهداك على أن تشرك بي شيئا ليس لك به علم إذ لا وجود له ، فلا تطعهما فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وصاحبهما في الدنيا معروفا أى : عاملهما في أمور الدنيا بالحسنى ، وأما الدين فلله ، واتبع سبيل من أناب إلى وقلد الصالحين المقربين ، وخالط هذا الصنف من الناس فإن فيهم الخير كل الخير ، ثم إلى مرجعكم يوم القيامة ، فأخبركم بما كنتم تعملون ، وسأجازيكم عن هذا كله.