روى أن هذه الآية نزلت في بنى أسد بن خزيمة كانوا يقيمون في جوار المدينة فأصابهم سنة مجدبة فقدموا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وأظهروا الإسلام ، وصاروا يقولون للنبي صلىاللهعليهوسلم : جئناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما تقاتلك بنو فلان ويقولون : آمنا فاستحققنا الكرامة ، وهم يريدون بذلك أعراض الدنيا ، وكانوا يمنون على النبي بإسلامهم ويستجدون به ، وعلى ذلك فليس المراد كل الأعراب بل هم قوم مخصوصون منهم.
المعنى :
قالت الأعراب ـ وهم بنو أسد وإن كان اللفظ يتناول كل من أراد بدينه وإسلامه وتقواه عرضا من أعراض الدنيا ـ قالت الأعراب : آمنا بالله ورسوله ، وهم في الواقع لم يؤمنوا إيمانا كاملا خالصا لوجه الله ، ولذا يقول الله : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) وهذا تكذيب لهم في دعواهم الإيمان ، فإن الإيمان تصديق وإذعان ، وامتلاء القلب بنور اليقين ، وأولئك قوم ألجأتهم ظروفهم إلى ادعاء ذلك ، ولذا يقول الله ما معناه : ما كان يصح أن تقولوا : آمنا. ولكن قولوا : أسلمنا وانقدنا ظاهريا فقط للنجو من القتل والأسر وننعم بالفيء عند المسلمين ، فلا تكذبوا على علام الغيوب فإنه يعلم السر وأخفى.
ثم عاد القرآن فجبر خاطرهم ونفى عنهم الإيمان مع ترقب حصوله لهم فقال : ولما يدخل الإيمان قلوبكم ، أى : إلى الآن لم يدخل ، ولكنه سيدخل فيها إن شاء الله ؛ وهذا تشجيع لهم على العمل والدخول حقّا في صفوف المؤمنين فقال : وإن تطيعوا الله ورسوله لا ينقصكم من أعمالكم شيئا بل يوفيكم جزاءها كاملا غير منقوص فهيا اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ، إن الله غفور للمؤمنين رحيم بهم.
وبعد هذا ألسنا في حاجة إلى بيان الإيمان حقا ، وإلى تعرف المؤمنين وصفاتهم حتى نكون على بينة من أمرهم؟ نعم يقول الله شارحا الإيمان ومبينا صفات المؤمنين : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ...) (الآية). وقد ذكر الله صفات لهم عدة في هذه الآية وفي غيرها ..
١ ـ المؤمنون هم الذين آمنوا بالله على أنه واهب الوجود ، والقادر على كل موجود ، والعالم بالسر وأخفى ، والمحيط بخفايا النفوس والعليم بذات الصدور ، وهو