موقرة : إذا حملت حملا ثقيلا ، وأما الوقر : فهو ثقل السمع ، وهل المراد بالحاملات السحائب يحملن الماء؟ أوهن السفن الموقرة بالناس وأمتعتهم. (فَالْجارِياتِ يُسْراً) أى : جريا سهلا إلى حيث تسير. (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) : هي الملائكة تقسم أمور العباد ، وقيل : هي الرياح تقسم المطر عليهم. (الدِّينَ) : هو الجزاء ، ومنه قولهم : دنته بما صنع ، أى : جزيته ، وعليه قولهم : «كما تدين تدان» ومنه «يوم الدين». (الْحُبُكِ) أى : الطرائق ، أى : والسماء ذات الطرق ، أو ذات الخلق القوى المستوي ، أو ذات الزينة. (يُؤْفَكُ) : يصرف عنه من صرف. (الْخَرَّاصُونَ) الخرص : التخمين والحزر ، وهو سبب الكذب ، فالمراد : لعن الكذابون. (غَمْرَةٍ) الغمرة : ما ستر الشيء وغطاه. (ساهُونَ) أى : لا هون وغافلون. (يُفْتَنُونَ) : يحرقون ، وهو من قولهم : فتنت الذهب : أحرقته.
المعنى :
لقد قال الله ـ تعالى ـ في السورة السابقة : (ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) وقال : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) وفي هذا إشارة إلى إنكارهم البعث وإصرارهم على الكفر به بعد إقامة البرهان وتلاوة القرآن فلم يبق بعد ذلك إلا القسم باليمين المؤكدة إن ما توعدون لصادق ، وإن الدين لواقع.
ولكن أليس من الأفضل أن ندرك بعض السر في قسم الله بهذه الأشياء ، بعد ما نهانا النبي صلىاللهعليهوسلم عن الحلف بغير الله؟
ولعل السر في ذلك أن العرب كانت تعتقد أن النبي رجل قوى الحجة ، غالب في المجادلة وإقامة الدليل ، فأقسم لهم القرآن على لسان النبي بكل شريف ليعلموا صدقه إذ هم كانوا يعتقدون أن الأيمان الكاذبة تدع الديار بلاقع (خرائب) وأنها تضر صاحبها ، وقد كان إكثار النبي من الحلف مع أنه لم يصب بسوء بل ارتفع شأنه كان هذا كله دليلا على صدقه ؛ على أن الأيمان التي أقسم الله بها دلائل على كامل قدرته على البعث وقد ساقها الله في صورة اليمين لفتا لأنظارهم وإيذانا بخطر ما يتحدث عنه ، وأنه حرى بالبحث التام ، فالإله الذي خلق هذه الأشياء وصرفها حيث شاء قادر بلا شك على البعث وإعادة الخلق يوم الجزاء.