الفجر. (وَالْمَحْرُومِ) : هو الذي حرم المال ، والظاهر أنه هنا المتعفف الذي لا يسأل الناس ... وهؤلاء هم المتقون المؤمنون ، وهذا جزاؤهم بعد الكلام على الكفار والمجرمين ، مع ذكر حقائق أخرى تتعلق بالاستدلال على قدرة الله ووحدانيته ، وبالمن على الناس بأن رزقهم من الله ويأتى من السماء.
المعنى :
إن المتقين الموصوفين بالصفات الآتية في جنات وبساتين يتمتعون بكل ما فيها ؛ ولهم فيها عيون فوارة بالماء الزلال تجرى خلال الجنة ، فلا يرون فيها عطشا ، كما أنهم لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ، إنهم في جنات وعيون حالة كونهم آخذين ما آتاهم ربهم من نعيم وقابلين لكل ما أعطاهم بقبول حسن ، وقد كانوا في الدنيا يتقبلون أوامر الله التي تأتيهم على ألسنة الرسل بصدور رحبة ، ونفوس مطمئنة ، وكأن سائلا سأل وقال : هل فعلوا ما يستحقون عليه هذا الجزاء؟ فأجيب : إنهم كانوا قبل ذلك في الدنيا محسنين لأعمالهم ، آتين بها على ما ينبغي ، عابدين الله عبادة خالصة لوجهه (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) (١) أى : كانوا يهجعون زمانا قليلا من الليل ، ولا شك أن هذا وصف للمتقين بأنهم عاملون مخلصون ، فالليل وإن كان وقت راحة ونوم ، فهم لا يهجعون فيه إلا قليلا ، ويكابدون العبادة في أوقات الراحة والبعد عن الناس ، وعند سكون النفس وعدم اشتغالها بالدنيا (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (٢) وهم مع ذلك كله يستغفرون الله في الأسحار ، كأنهم أجرموا في الليل أو عصوا الله في النهار ، أليس هذا هو وصف المؤمن التقى دائما يخشى الله ويعمل له ، ويحاسب نفسه ثم يستغفر الله بالأسحار بعد ذلك؟
وهم دائما في خشية من عذاب الله ، ومع ذلك ففي أموالهم حق ثابت معلوم ، للسائل والمحروم ، الذي يتعفف عن السؤال ، ويحسبه الجاهل غنيّا ، وهو في أشد حالات الفقر. عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ليس المسكين الّذى تردّه التّمرة والتّمرتان
__________________
١ ـ هذه الجملة بيان للجملة التي قبلها ولذلك فصلت.
٢ ـ سورة الإسراء آية ٧٨.