المعنى :
وبنينا السماء بقوة قوية. بنيناها بأيد ، وإنا لقادرون ، وما مسنا في ذلك من تعب ولا مشقة ، وفرشنا الأرض وبسطناها لتستقروا عليها ، وتعيشوا فوقها ، ولا ينافي ذلك كروية الأرض ، وانظر إلى السماء وبنائها ، والشيء المبنى ثابت لا يتغير ، وإلى الأرض وفرشها ، والفراش يبدل وينقل ، وهكذا الأرض وما عليها ، وتبارك من مهدها وبسطها ، ووطأها وسواها وأصلحها (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ).
ومن كل شيء خلق ربك صنفين ونوعين ذكرا وأنثى ، في النبات والحيوان ، وفي الطبيعة ليل ونهار ، ونور وظلام ، وحر وبرد ، وبحر وبر ، وسهل وجبل ، وجن وإنس ، وخير وشر وهكذا (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
وإذا كان الأمر كذلك ، وقد أهلك ربك من كفر وكذب ونجى من آمن وصدق وهذه آياته الشاهدة بقدرته على البعث والثواب والعقاب والجزاء ، إذا كان الأمر كذلك ففروا إلى الله ، فروا من معاصيه إلى طاعاته ، فروا إليه بالتوبة الصادقة والإيمان السليم واقصدوه وحده ، ولا تشركوا به شيئا ، ولا تجعلوا معه إلها آخر ، إنى أنا رسول الله إليكم ، ونذير مبين لكم بين يدي عذاب شديد.
الأمر كذلك (١) أى : الأمر الحق مثل الذي يذكر لك ويأتيك خبره بالوحي ، وهو : ما أتى الذين من قبلهم من رسول إتيانا مثل إتيانهم إلا قالوا في حقه : هو ساحر ، أو قالوا : هو مجنون. أأوصى بهذا القول أولهم آخرهم؟ إن هذا لعجيب (٢).
بل هم قوم طاغون ، فهم مشتركون في الطغيان والظلم الذي حملهم على ذلك ؛ وإذا كان الأمر كذلك وأن مصدر تكذيبهم وعصيانهم هو ما تأصل عندهم من غرائز الطغيان والظلم فأعرض عنهم ، ولا تشتغلن بهم ، فما أنت بملوم على تكذيبهم بل أنت لم تأل جهدا في دعوتهم ، وأنت رسول ، وإنما عليك البلاغ ، وعلى الله الحساب.
__________________
(١) كذلك خبر لمبتدأ تقديره : الأمر ، والجملة تقرير وتوكيد لما مضى وتسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم واسم الإشارة يعود على ما سيأتى وهو (ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...) الآية.
(٢) الاستفهام للتعجب والإنكار.