كالقرآن مثلا ، أى : ما صدر عنه ذلك عن هوى نفسه ورأيه ، إن هو ـ أى : القرآن ـ إلا وحى من الله ـ عزوجل ـ يوحى به إليه (١).
علم النّبىّ جبريل ـ عليهالسلام ـ الذي هو شديد القوى ، علمه القرآن ، ولا عجب في ذلك فقد قلع قرى قوم لوط ، وصاح بقوم صالح فأصبحوا جاثمين ، وكان هبوطه على الأنبياء في لمح البصر ، وهو القادر بأمر الله على التشكل بأشكال مختلفة ، وهو ذو مرة ، أى : صاحب حكمة وحصافة في العقل ، وبعد في النظر ، فالله قد وصفه بقوة الجسم وقوة العقل والرأى.
فهل رآه النبي على صورته الحقيقية؟ فقيل في الجواب : نعم رآه فاستوى واستقام على صورته الحقيقية التي خلقه الله تعالى عليها ؛ له ستمائة جناح كل جناح منها يسد الأفق على ما روى ، رآه والحال أن جبريل بالأفق الأعلى ، وفي المروي أن ذلك في أول البعثة ، ثم قرب جبريل من النبي صلىاللهعليهوسلم فتدلى ، أى : كان معلقا في الهواء ، فكان قريبا من النبي صلىاللهعليهوسلم بمقدار قابى قوسين أو أقرب من ذلك ، وأو للشك من جهة العباد لا من الله سبحانه ، أى : من يراه يظن أنه كذلك أو أقرب.
فأوحى جبريل إلى عبد الله (٢) ورسوله صلىاللهعليهوسلم من القرآن ما أوحى ، وفي الصورة الحقيقية أو غيرها ما كذب فؤاد النبي صلىاللهعليهوسلم ما رآه ببصره ، أى : لم يقل بقلبه لما رآه ببصره : لم أعرفك فيكون كذبه.
ويقول العلامة الآلوسي نقلا عن الكشف : إن هذه الآيات سيقت لتحقيق أمر الوحى ، ونفى الشبهة والشك فيه ليتأكد الكل أن هذا الوحى ليس من الشعر ولا من الكهانة ، فليس للشيطان ولا للجن أى قدرة على تصورهم للنبي في صورة جبريل الحقيقة أو غيرها لأن النبي صلىاللهعليهوسلم عرفه بقلبه وبصره ، ورآه في حالاته المتعددة ، ومن ثم لم يكن من المعقول أن يشتبه عليه ، انظر إلى قوله : فاستوى ، ثم إلى قوله : ثم دنا فتدلى ، فأوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ، ومن هنا كان ترتيب قوله تعالى : أفتمارونه
__________________
(١) هذه الجملة واقعة في جواب سؤال مقدر نشأ بعد قوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) ، لذلك فصلت وجملة يوحى وصف لوحى لدفع المجاز وتأكيد الإيحاء.
(٢) نعم هو عبد الله فقط ، وما كان عبدا لأى كائن في الدنيا! وكيف يكون غير ذلك!!