المعنى :
كذبت قبل مشركي مكة قوم نوح فكذبوا (١) عبدنا نوحا ، ويا ليتهم اقتصروا على ذلك بل قالوا له : هو مجنون ، وكذبوه ، ورموه بالجنون ، وزجروه عن تبليغ الدعوة بالإيذاء والتخويف.
ولما اشتد عليه الإيذاء دعا ربه بأنى مغلوب على أمرى فانتصر لي ، وانتقم من هؤلاء (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) [سورة نوح آية ٢٦].
فاستجاب الله دعاء نوح ، وحقت عليهم الكلمة ، وفتح عليهم أبواب السماء بماء متدفق كثير (٢) ، وفجر الله عيون الأرض ، وفتحها لينساب الماء منها بتدفق غزير ، فالتقى الماء النازل من السماء والماء النابع من الأرض حالة كونه على قدر قدره الله لم يتجاوز واحد منهما قدره.
وكان نوح قد أمر بصنع السفينة ، وصنعها بين استهزاء قومه وسخريتهم ، فلما ازداد الماء ركب نوح ومن معه السفينة ونجا من الغرق ، فانظر إليه وقد حمله ربك على السفينة وصارت تجرى بعناية الله وتحت رعايته! حتى نجا وغرق من كفر به ، فعل ذلك ربك إكراما لنوح ـ عليهالسلام ـ وجزاء لمن كفر به وبرسالته من قومه ، ولقد تركناها آية وعبرة لمن يأتى بعدها ، فهل من معتبر؟!
فانظر كيف كان عذاب ربك للعصاة الكافرين ، وكيف كان إنذارهم؟! (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)؟ وهذه جملة ذكرت عقيب كل قصة تقريرا لمضمون ما سبق من قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) ولعلها كررت لبيان أن كل قصة كافية في الاعتبار والاتعاظ.
__________________
(١) الفاء فاء تفصيل وتفريع ، وقيل : إنها للسببية ، على معنى : كذبوا بالأنباء جميعا ؛ فتسبب عن ذلك تكذيب نوح.
(٢) في الكلام استعارة تمثيلية حيث شية تدفق المطر من السحاب بانصباب أنهار انفتحت بها أبواب السماء ، وبعضهم يرى أن الكلام على حقيقته وأن السماء تحت أبوابها بالماء بدون سحاب.