شئون صاحب الملك والملكوت الذي بيده الأمر ، وإليه يرجع الأمر تبارك الله رب العالمين ، وإذا كان الأمر كذلك فبأى آلاء ربكما ونعمه تكذبان مما يجيب به سؤالكما أيها الثقلان؟
الله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن ، ولكن شئون العالم كله من حياة وموت ورزق وغيره ستنتهى يوم القيامة ويفرغ الحق ـ تبارك وتعالى ـ إلى جزاء المكلفين فقط (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) أى : سنحاسبكم لا يشغلنا شيء عن شيء ، ولأتفرغن لكم يوم القيامة (١) فبأى آلاء ربكما تكذبان التي من جملتها التنبيه على ما سيلقاه الناس يوم القيامة تحذيرا عما يؤدى إلى سوء الحساب.
يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض ، وتخرجوا من جوانبها هاربين من الله تعالى فاخرجوا منها ، وخلصوا أنفسكم من عقابه عزوجل ، لا تقدرون على النفوذ إلا بسلطان ، أى : بقوة وقهر منكم وأنتم لا تقدرون على ذلك ؛ إذ أقطار السموات والأرض فوق ما يتصور الإنسان ، ومن حاول الصعود إلى القمر أو صعد إليه أو إلى غيره ، فإنه أشبه بذبابة تطير وسط الحجرة فقط!! فبأى آلاء ربكما تكذبان؟!.
وما الداعي إلى طلبهم الفرار ومحاولتهم له! ثم لا يقدرون! والجواب أنه يرسل عليكم أيها العصاة شواظ من نار ، ولهب خالص ، بلا دخان ، يشبه النحاس في اللون فلا تقدرون على الامتناع مما يرسل عليكم ، فبأى آلاء ربكما تكذبان؟ ولا شك أن التهديد بالعقاب ، والتمييز بين المطيع والعاصي بالجزاء الكامل من عداد النعم الجليلة.
فإذا انشقت السماء وانصدعت يوم القيامة فكانت كالوردة في الحمرة ، تذوب مع الانشقاق حتى تصير حمراء من حرارة نار جهنم ، وتصير مثل الدهن لرقتها وذوبانها فبأى آلاء ربكما تكذبان؟ فيوم إذ تنشق السماء لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان لأنهم يعرفون بسيماهم ، وهذا عند الخروج من القبر ؛ وما يدل على السؤال كقوله : فوربك لنسألنهم أجمعين : في موقف آخر وهو موقف الحساب.
__________________
١ ـ في العبارة الكريمة استعارة حيث شبه حال هؤلاء وأخذه تعالى في جزائهم فقط بمن فرغ لهذا من جميع المهام التي عليه.