ومن شاء فليكفر ، طلبوا من النبي آيات كفلق البحر ، وانقلاب العصا حية إلى آخر ما مضى من الآيات التسع التي أنزلت على موسى ، وكالآيات التي أنزلت على عيسى من إحياء الموتى وإبراء المرضى إلى آخر ما عرفت ، فرد الله عليهم أيضا لافتا نظرهم إلى القرآن الذي هو المعجزة الباقية فقال :
أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ، وقد تحداهم ربك أن يأتوا بمثله أو بسورة منه وأن يتعاونوا في ذلك مجتمعين مع شهدائهم وأوليائهم فعجزوا عن هذا مع التحدي الشديد اللهجة ، وهم قوم عرب يؤلمهم جدا أن يهزموا ، أفلا يكفيهم هذا معجزة؟ ولو أتاهم ربك بآيات كآيات موسى وعيسى لقالوا : سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون!! على أنهم قوم عرب نبغوا في صناعة البلاغة والبيان فيكونون أقدر الناس على فهم حقيقة الإعجاز فيه ، كسحرة فرعون بالنسبة إلى عصا موسى. لا يا قوم! إن في ذلك الكتاب لرحمة ، وأى رحمة أكثر من هذا؟ (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) وإنه لذكرى وأى ذكرى؟ فهو الباقي ، وكل آية مادية تفنى ، وهل يكون غيره دليلا على صدق رسالة باقية إلى الأبد؟ فهو الآية المستمرة الباقية على مر الدهور والسنين بخلاف ناقة صالح ، وعصا موسى ، وإبراء الأكمه من عيسى ـ عليهم جميعا الصلاة والسلام ـ نعم هو الكتاب الذي يتلى ، وهو الآية التي لا تنقضي عجائبها ، ولا تخلق جدتها ، بل كلما تقدم الزمن وتقدم العلم ظهرت أسرار الشريعة ، وحقائق القرآن واضحة جلية (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ..) [سورة فصلت آية ٥٣].
هو رحمة وذكرى وعظة وعبرة ولكن لقوم يؤمنون.
قل لهم يا محمد : كفى الله شهيدا ، وكفاه بيني وبينكم حكما مقسطا يشهد بصدقى وهو العليم الخبير بخلقه ، ويعلم ما في السموات والأرض ، وأنا أدّعى أنى رسوله فلو كنت كاذبا لقطع منّى الوتين ، ولخسف بي وبداري الأرض ، وكنت من المهلكين ، وكيف يكون ذلك. وهو يرعاني ويكلؤنى بعين لا تنام ، ويحرسنى بيد لا ترام!! والذين آمنوا بالباطل ، وصدقوا بالتّرهات والأراجيف ، والذين كفروا بالله ، أولئك جميعا هم الخاسرون ، أما الأولون فهم أهل الكتاب الذين لم يتبعوا الحق ، وأما الآخرون فهم المشركون الضالون.