الم. تنزيل الكتاب الذي أنزل على محمد ـ حالة كونه لا ريب فيه ولا شك ـ من رب العالمين ، وانظر إلى قوله : الكتاب وما فيه من معنى الكمال في كل شيء حيث جعل أساسا لنفى الشك عنه (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) بل أيقولون افتراه؟! واختلقه محمد من عنده؟! وهذا استفهام إنكارى ، على معنى : لا يصح ولا يليق منهم هذا القول بعد قوله تعالى : تنزيل من رب العالمين وبعد ما ثبت عجزهم عن الإتيان بمثله مع التحدي السافر لهم (وبل هنا للإضراب والانتقال من عنصر في الكلام ، وبل الثانية للإضراب وإبطال الكلام السابق قبلها).
لا بل هو ـ أى : القرآن الحق الثابت فيه ـ من ربك جل شأنه وهو الحق لما فيه من حق وصدق ولما فيه من تفسير للكون ، وما فيه من ربط محكم بين الإنسان وهذا الكون وهو الحق لخلوه من ظلم في الدنيا أو في الآخرة ، أنزله عليك لتنذر قوما ـ ما أتاهم من نذير من قبلك ـ رجاء الهداية لهم والتوفيق ، وهل العرب لم يأتها نذير قبل النبي صلىاللهعليهوسلم أو أتاهم نذير كبقية الأمم؟ (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [سورة فاطر آية ٢٤] والتاريخ يؤيد أنه لم يكن بين إسماعيل ومحمد نبي.
أنذرتهم رجاء الهداية والتوفيق لهم ، وهذا أسلوب محكم دقيق حيث أثبت أن القرآن منزل من عند رب العالمين وأنه لا شك فيه ، وهذا يستلزم صدق النبي فيما يدعيه ثم أضرب عن ذلك لينكر قولهم : إنه مفترى على الله حيث ثبت عجزهم بعد التحدي ثم أضرب عن إنكارهم هذا إلى إثبات أنه الحق الثابت من عند الله.
وما رب العالمين الذي أنزل القرآن على رسوله؟ هو الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ، عرفهم الله كمال قدرته ليسمعوا القرآن ويتأملوه ، وليعلموا أنه صادر من حكيم قادر عليهم ، بعباده خبير بصير ، الله الذي خلق السموات والأرض ، وأبدعهما ، وفطرهما لا على مثال سابق في ستة أيام الله أعلم بمقدارها ، أيام عند الله لا كأيام الدنيا المقدرة بدورة الأرض أمام الشمس ، هذه إشارة إلى التدبير والإحكام في الخلق.
ثم استوى على العرش استواء يليق بعظمته وجلاله ، وأنه لا يحده زمان ولا مكان ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، وهذا رأى من يفوض أمثال