المفردات :
(قَفَّيْنا) قفى أثره : اتبعه ، وقفى على أثره بفلان : أتبعه إياه ، وعليه قوله : قفينا على آثارهم برسلنا ، والمراد جعلناهم تابعين متأخرين عنهم في الزمان. (رَأْفَةً وَرَحْمَةً) وهما : شيء واحد ، قال بعضهم : إذا اجتمعا كانت الرأفة درء الشر ورأب الصدع ، وكانت الرحمة جلب الخير والمودة. (وَرَهْبانِيَّةً) الرهبنة والرهبانية : هي المبالغة في العبادة والرياضة الروحية ، والانقطاع عن الناس مع حمل النفس على المشقة والامتناع عن لذيذ المطعم والمشرب والنكاح. (كِفْلَيْنِ) الكفل : الحظ والنصيب : وهو في الأصل كساء يكتفل به الراكب فيحفظه من السقوط ، وعلى ذلك فالمراد : يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلاك المعاصي.
المعنى :
وتالله لقد أرسلنا نوحا ، وهو الأب الثاني للبشر ، وأرسلنا إبراهيم وهو أب العرب ، وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب ، فكل الأنبياء من نسلهما ، فكان من الذين أرسل إليهم رسل مهديون ، وكان كثير منهم فاسقون ، وتلك سنة الله مع الأنبياء جميعا ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، ثم أتبعناهم بعيسى بن مريم ، فجاء متأخرا عنهم في الزمان ، وآتيناه الإنجيل الصحيح الذي لم يحرف بعد ، لا الإنجيل الذي هو موجود عند المسيحيين اليوم ، فإن فيه التثليث والصلب ، والله هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، والله قد نجى الأنبياء أولى العزم من أعدائهم وعصمهم من الكفار بهم فنجى نوحا من الغرق ، ونجى إبراهيم من النار ، ونجى موسى من فرعون ، ونجى عيسى من اليهود ، ونجى محمدا من كيد المشركين ، وكفاهم جميعا شر المستهزئين ، على أن نظرية الصلب التي في الإنجيل الموجود نظرية دليل بطلانها معها ، ولا يقبلها عقل ، ولا تقرها شريعة ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ؛ وجعل ربك في قلوب حوارى المسيح وأصحابه السابقين رأفة ورحمة «رحماء فيما بينهم».