وجعل في قلوبهم رهبانية مبتدعة لهم ، فهم ابتدعوا رهبانية من عند أنفسهم ، ما فرضناها عليهم رأسا ، ولكن ابتدعوها وألزموا بها أنفسهم ابتغاء رضوان الله (١) فما رعوها حق رعايتها وما حافظوا عليها إذ أصبحت كالنذر عندنا ، والنذر يذم صاحبه إذا ترك الوفاء به ، والذين لم يرعوها هم المتأخرون ، والذين ابتدعوها هم السابقون.
فآتينا الذين آمنوا منهم إيمانا صحيحا سليما ـ سواء مات قبل النبي صلىاللهعليهوسلم أو عاش حتى أسلم به ـ أجرهم ، وكثير منهم فاسقون لأنهم لم يؤمنوا بالإنجيل الصحيح فلم يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم.
يا أيها الذين آمنوا بالله ورسله وداوموا على تقوى الله وعلى الإيمان بالرسول صلىاللهعليهوسلم إن تفعلوا ذلك يؤتكم بسبب ذلك نصيبين عظيمين يكفلان لكم الخلوص من هلاك المعاصي ، ويجعل لكم نورا تمشون به ، ويغفر لكم ، والله غفور رحيم ، وقيل المعنى :
يا أيها الذين آمنوا بعيسى اتقوا الله وآمنوا بمحمد يؤتكم كفلين من رحمته كفل على الإيمان بعيسى وكفل على الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم.
أعلمناكم بذلك ليعلم أهل الكتاب القائلون من آمن بكتابكم منا فله أجران ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم ليعلم هؤلاء أنهم لا ينالون شيئا من فضل الله ، أى :
من الأجرين أو غيرهما ، ولن يصيبهم خير ما لم يؤمنوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم فإيمانهم بالنبي عيسى لا ينفعهم بعد بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين ، فقولهم للمسلمين : من لم يؤمن بكتابكم منا فله أجر : باطل باطل.
واعلموا أن الفضل بيد الله وحده يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم.
__________________
١ ـ على هذا المعنى تكون جملة (ما كتبناها عليهم) صفة رهبانية ، و (إلا ابتغاء) استثناء منقطع ، ويصح أن يكون متصلا على معنى : ما قضيناها عليهم وجعلناهم يبتدعونها لشيء من الأشياء إلا ليبتغوا رضوان الله.