المفردات :
(ضَلَلْنا) العرب تقول : ضل الماء في اللبن : إذا ذهب ، وتقول للشيء غلب عليه غيره حتى خفى فيه أثره : ضل ، وتقول لما غاب في الأرض : ضل ، والمراد هلكنا وصرنا ترابا (يَتَوَفَّاكُمْ) توفى العدد والشيء : إذا استوفاه وقبضه جميعا ، وقالوا : توفاه الله ، أى : قبض روحه ، والتوفي والاستيفاء بمعنى واحد ، والمراد : يقبض أرواحهم حتى لا يبقى أحد منهم (ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) مطأطئوها وخافضوها (الْجِنَّةِ) : الجن.
المعنى :
وقال المشركون : أإذا هلكنا وصرنا مختلطين بتراب الأرض لا نتميز منه كما يضل الماء في اللبن ، أو غبنا في الأرض بالدفن فيها أنبعث؟ والمعنى : أنبعث إذا متنا وصرنا إلى هذا الحال؟ هم بلقاء ربهم للحساب والجزاء كافرون ، فلم يكفروا بقدرة الله على الإعادة فقط بل هم كافرون بأصل الثواب والعقاب يوم القيامة ، قل لهم : يتوفاكم ملك الموت وهو عزرائيل على الصحيح الذي وكل إليه قبض أرواحكم فلن يفلت منه منكم أحد ، ولن يشغله شيء عن قبض أرواحكم إذ هو عمله المطلوب منه ثم إلى ربكم ترجعون ، تراه خاطبهم بتوفى ملك الموت لهم ثم بالرجوع إلى ربهم بعد ذلك مبعوثين ، وهذا معنى لقاء الله الذي كفروا به.
ذكر هذا المعنى في الأنعام بقوله : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) وفي سورة الزمر : بقوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) ، ولا منافاة لأن الله ـ تعالى ـ هو المتوفى حقيقة بخلق الموت وأمر الملائكة بنزع الروح ، ولملك الموت أعوان له ينزعون الروح من الأظافر إلى الحلقوم ثم يقبضها عزرائيل الذي هو ملك الموت فلا منافاة بين الآيات.
ولو ترى يا محمد إذ المجرمون ناكسو رءوسهم من الخزي والعار ساعة الحساب لرأيت أمرا فظيعا ولرأيتهم على أسوأ حال وأفظع وضع ، وهذا من باب التمني ، على معنى ليتك ترى يا محمد المجرمين وقت الحساب وهم في الغم والخزي والهم إلى الأذقان ، ليتك تراهم لتشمت بهم حيث تجرعت منهم الغصص ونالك من عداوتهم ما نالك ، يقول المجرمون ساعة الحساب : ربنا أبصرنا وسمعنا ، أبصرنا بصدق وعدك وسمعنا بصدق