المعنى :
يا أيها الذين آمنوا : اتقوا الله حيثما كنتم ، وفي أى عمل عملتم ، ولتنظر كل نفس إلى أى شيء قدمته من الأعمال ليوم القيامة ، ولتحاسب نفسها عما عملت ، قبل أن تحاسب هي عليه ، وفي هذا حث عظيم على النظر فيما ينفع لغد ، وبيان أن النظر فيه قليل ، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ، وسيجازيكم عليه إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشر.
وإياكم أن تكونوا كالذين نسوا حقوق الله وما قدروا الله حق قدره ، ولم يراعوا الواجب عليهم نحو الذات الأقدس ـ جل شأنه ـ لا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم الله بسبب ذلك أنفسهم فلم يعملوا لخيرها ، ولم يحصلوا ما يخلصها يوم القيامة ، أولئك الذين نسوا الله هم الفاسقون الكاملون في الفسق والفجور ، فإياكم أن تكونوا مثلهم ، واعلموا أنه لا يستوي أصحاب النار الذين عملوا لها حيث خالفوا أمر الله في كل شيء وأصحاب الجنة الذين اتقوا الله فاستحقوا الخلود في الجنة ، أصحاب الجنة هم الفائزون وحدهم ، وفي هذا تنبيه للناس وأى تنبيه؟ وإيذان لهم بأنهم لفرط غفلتهم وقلة تفكيرهم في الآخرة وأحوالها ، كأنهم لا يعرفون أن هناك فرقا بين أصحاب الجنة وأصحاب النار ، وهذا كما تقول لمن يسيء إلى أخيه : هذا أخوك.
يا أيها الذين آمنوا : ألم تعلموا أن معكم حبل الله المتين ، وكلامه الكريم ، وقرآنه المجيد ، فكيف لا تتعظون به؟ وكيف لا تملأ قلوبكم خشية عند سماع كلامه؟ مع العلم أنه لو أنزل هذا القرآن على جبل ، وكان له عقل يميز ـ مع أن الجبل علم في القساوة ـ لرأيته خاشعا متشققا من خشية الله ، وهذا تمثيل وتخييل لعلو شأن القرآن وقوة تأثير ما فيه من المواعظ والزواجر.
وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون.
واعلم أن الذي أنزل القرآن وأمر بالتقوى هو الله ـ جل جلاله ـ واجب الوجود أزلا وأبدا ، الحاضر الذي لا يزول ، المعبود فلا أحد يستحق العبادة غيره ولا معبود بحق