الصداقة والمحبة ، والبغضاء : وهي شدة البغض ، ضد المحبة. (فِتْنَةً) أى : مفتونين للذين كفروا ، أى : معذبين بسببهم أو بسبب غيرهم. (مَوَدَّةً) : صلة وقربى. (وَتُقْسِطُوا) أى : تحكموا بينهم بالعدل. (الْمُقْسِطِينَ) : العادلين. (وَظاهَرُوا) أى : وعاونوا الغير وتعاونوا على إخراجكم.
روى الأئمة ـ واللفظ لمسلم ـ عن على ـ رضى الله عنه ـ قال : «بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنا والزبير والمقداد فقال : ائتوا روضة خاخ ـ موضع بين مكة والمدينة ـ فإن بها ظعينة ، أى : امرأة في هودج ، معها كتاب فخذوه منها» قال علىّ : فانطلقنا مسرعين حتى أدركنا المرأة ، وطلبنا منها الكتاب فأبت أول الأمر ، فلما رأت منا الجد والإصرار والتهديد أخرجت الكتاب من عقاصها ـ شعرها ـ فأتينا به رسول الله ، فإذا هو من حاطب بن أبى بلتعة إلى مشركي مكة يخبرهم ببعض أمر الرسول.
فقال رسول الله : يا حاطب ما هذا؟ قال : لا تعجل علىّ يا رسول الله ، إنى كنت امرأ ملصقا في قريش فأحببت أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي ، ولم أفعله كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم «صدق» وهم عمر يضربه بالسيف ، فأجيب بأنه من أهل بدر ، وأنزل الله ـ عزوجل ـ هذه الآية ، وفي معناه نزلت آيات عدة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) [المائدة ٥١](لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران ٢٨] ... إلخ.
المعنى :
يا أيها الذين اتصفتم بالإيمان : لا يليق بكم ـ لأجل هذا الوصف ـ أن تتخذوا عدو الله وعدوكم (١) أولياء وأصدقاء ، ولو في الظاهر ، فالله ينهانا عن موالاتهم والإسرار إليهم بأخبارنا ، ولو كان هذا في الظاهر ، لا عن عقيدة وإيمان : لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء حالة كونكم تلقون إليهم بالمودة ، وتسرون إليهم بها كما فعل أخوكم حاطب بن أبى بلتعة عن حسن نية ، لا تتخذوهم أولياء والحال أنهم كفروا بما جاءكم من الحق والقرآن ، فأنتم مؤمنون به مصدقون له ، وهم كافرون فبينكم عداوة شديدة في العقيدة فكيف تلتقون؟ هم كفروا بالله ورسوله ، والحال أنهم يخرجون الرسول وإياكم من
__________________
(١) عدو على زنة فعول مصدر ، لهذا صح أن يقع على الواحد والجمع.