دياركم وأموالكم وأوطانكم لا لشيء أبدا إلا لأنكم تؤمنون بالله ربكم ، عجبا كيف تجعلونهم أولياء وتسرون إليهم بالمودة؟!!
إن كنتم خرجتم للجهاد في سبيل الله وابتغاء مرضاته فلا تتخذوهم أولياء ، أى : لا تتولوا أعدائى إن كنتم أوليائى.
كيف تلقون إليهم بالمودة؟ تسرون (١) إليهم بأخبار الرسول سرّا ، وأنا أعلم السر وأخفى ، نعم الله يعلم ما أخفيتم وما أعلنتم ، ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ، وأخطأ طريق الهدى والحق.
كيف هذا مع أنهم إن يظفروا بكم ويدركوكم ـ على أى وضع ـ يكونوا لكم أعداء ويعاملوكم معاملة العدو اللدود ، ويسطوا إليكم أيديهم بالضرب والسبي والقتل وألسنتهم بالشتم والسب والذم ، ولا عجب فإنهم يودون من صميم قلوبهم لو تكفرون.
وما لكم توادون أعداء الله وأعداءكم من أجل قرابتكم وأولادكم؟ مع أنه لن تنفعكم أرحامكم ولا قراباتكم ، ولن تنفعكم أولادكم وأموالكم في شيء ، يوم القيامة يفصل بينكم ويقضى بحكمه فاعملوا لأجل هذا اليوم ، وانظروا ماذا قدمتموه لهذا الغد ، واعلموا أن الله بما تعملون بصير فسيجازيكم على كل عمل.
أسوة إبراهيم في هذا : كيف تتخذون أعدائى وأعداءكم أولياء؟ ألا تقتدون بأبيكم إبراهيم؟ قد كانت لكم أسوة حسنة ، وقدوة طيبة في أبيكم إبراهيم الخليل والذين معه من المؤمنين إذ قالوا (٢) لقومهم : إنا برآء منكم ومما تعبدون فنحن لا نعتد بكم ، ولا نحفل بآلهتكم بل أنكرنا ، وبدا بيننا وبينكم العداوة لا المحبة ، والبغضاء لا الصداقة في كل وقت ، كل هذا حتى تؤمنوا بالله وحده ، وتكفروا بشرككم. اقتدوا بأقوال إبراهيم وأفعاله إلا قوله لأبيه : لأستغفرن لك.
واستثناء قول إبراهيم هذا من الأسوة ـ الحسنة ، لأنها ـ واجب اتباعها وتقليد إبراهيم فيها حيث ذكر بعدها هذا الوعيد (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)
__________________
(١) هذه الجملة بدل بعض من كل في قوله تلقون.
(٢) (إذ قالوا) بدل اشتمال من (إبراهيم).