دعاء وطلب من ذاته ـ تعالى ـ أن يلعنهم هو ويطردهم ، أو هو تعليم للمؤمنين أن يدعوا على المنافقين بذلك.
وإذا قيل لهم : تعالوا إلى رسول الله يستغفر لكم عما فرط منكم ، أشاحوا برءوسهم وعطفوها كبرا وإعراضا عن هذا الطلب واستهزاء به .. ورأيتهم يصدون جاهدين عن سبيل الله غيرهم ، وهم مستكبرون.
سواء عليهم استغفارك لهم وعدمه (١) فإنهم لن ينتفعوا به ، ولن يؤمنوا لأن الله لن يغفر لهم ، إن الله لا يهدى القوم الفاسقين ، ولا غرابة في وصفهم بالفسق والخروج عن حدود الدين والعرف فهم يقولون لأصحابهم من الأنصار : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينقضوا.
(يَنْفَضُّوا) : يتفرقوا. (الْعِزَّةُ) : الغلبة (لا تُلْهِكُمْ) : لا تشغلكم. (أَجَلُها) الأجل : آخر العمر.
المعنى :
إذا جاءك المنافقون وحضروا مجلسك قالوا بألسنتهم : نشهد إنك لرسول الله (٢) والله يعلم إنك لرسوله حقا (٣) والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ، فالتكذيب من الله لهم ليس لقولهم : إنك لرسول الله ، ولكنه راجع إلى ادعائهم الصدق والموافقة في الشهادة بين اللسان والقلب ، ولا شك أنهم كاذبون في قولهم هذا ، لأنهم لا يؤمنون به بناء على أن الكذب ما خالف الاعتقاد.
__________________
(١) الهمزة في (أستغفرت) للاستفهام في الأصل واستعملت للتسوية مجازا.
(٢) إذا ظرف لقالوا ، والتأكيد بأن واللام واسمية الجملة لتأكيد علمهم بهذا الخبر وشهادتهم ، شهادة يطابق فيها اللسان القلب.
(٣) جملة اعتراضية بين قولهم وتكذيب الله لهم فائدتها دفع وهم أن التكذيب لقولهم في حد ذاته والتأكيد فيه لمزيد الاعتناء حقيقة بشأن الخبر.