المعنى :
الله يعلم الغيب والشهادة ، ويعلم السر وأخفى ، فسواء عنده الإسرار في القول والجهر به ، إنه عليم بصاحبة الصدور ، وبما يكون من الخواطر التي تلازم القلوب فلا تبرحها ، ألا يعلم الله مخلوقاته التي خلقها؟ ألا يعلم الخالق خلقه؟ والحال أنه هو اللطيف العالم بدقائق شئون البشر ، المطلع على خفايا الخلق ، وهو اللطيف بعباده ، وإن لطفه بعباده لعجيب ، فهو يوصل الخير إليهم ، ويكشف الضر عنهم من أخفى الطرق وأدقها ، وهو الخبير بكل شيء.
هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا : سهلة مذللة ينتفع الخلق بكل ما فيها ، فانقياد الأرض لبنى آدم ظاهر الوضوح ، وخاصة في هذه الأيام حيث لم يدع الخلق ضربا من ضروب الانتفاع إلا سلكوه ، ولا عنصرا إلا حللوه وركبوه ، صهروا المعادن ، وفتتوا الذرات واستنبتوا النباتات ، واكتشفوا أسرار الكائنات ، وغاصوا في أعماق البحار وطاروا في أجواء الفضاء ، أليس الله قد لطف بعباده حيث مكنهم من كل ذلك؟ جعل الأرض ذلولا ، وإذا كان كذلك فامشوا في مناكبها ونواحيها ، وجوانبها وأطرافها ، وآكامها وسهلها وحزنها.
احذروا أيها الناس هذا التمادي في الباطل ، والتكذيب للرسل ، واذكروا أنه تعالى جعل لكم الأرض سهلة لينة منقادة انقياد الدابة الذلول ، فدعوا إذن العناد والتكذيب ، واعلموا أن إليه النشور ، وإليه وحده مرجع الإنسان في الحياة الأخرى ليحاسبه ويجازيه.
واعلموا أيها الناس أن الله قادر على تبديل النعم بالنقم ، فاحذروا عقابه ، واخشوا غضبه ، أأمنتم الحق ـ تبارك وتعالى ـ أن يخسف بكم الأرض ، ويغيبكم فيها ، فإذا هي تتحرك بشدة حركة غير عادية؟ أأمنتم أيها القوم ذلك الإله العظيم الذي تعتقدون أنه موجود في السماء ـ مع أنه ثبت بالدليل العقلي أن الله ليس له مكان بل هو موجود بقدرته وعلمه وإحاطته في كل مكان ـ أأمنتم أن يهلككم ، ويبيدكم ، ويغير هذه الأرض الذلول التي تنتفعون بها في كل شيء ، فإذا هي تمور وتضطرب؟!
بل أأمنتم الله الذي هو في السماء ـ كما تعتقدون ـ أن يرسل ريحا شديدة تثير الحصباء وتحملها ، هذه الريح ترسل عليكم فتهلككم وتستأصل شأفتكم؟!