أرسل لهم رسول الله بالهدى ودين الحق ليخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الهدى والعلم ، ومع النبي صلىاللهعليهوسلم قرآن فيه ذكرهم وشرفهم يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، ولكنهم كفروا وكذبوا ، ولم يراعوا حق الله ، وكفروا بالنعم فاستحقوا العذاب والهلاك ، أليس هذا بلاء وأى بلاء؟
إنا بلونا أهل مكة بالنعم ، ثم بإرسال إمام الرسل ، فكفروا واستحقوا من الله عظيم النقم ، حيث اغتروا بالمال والأهل والولد ، ولم يرعوا حق الله فيهم ، كما بلونا أصحاب البستان كثير الخير والبركات عظيم الثمر ، ملتف الأغصان ، ولكنهم ما عرفوا حق الله وكفروا بالمساكين وحقوقهم ، ثم بعد ذلك ندموا ، ولات ساعة الندم.
ولأصحاب البستان قصة خلاصتها : كان هناك رجل صالح يخاف الله ، ويعطى حقوق المساكين ، ويعلن عن يوم الجنى ليحضر كل مستحق فيأخذ من خير الله ما يستحق ، ثم توفى هذا الرجل وخلفه أولاده على البستان وكانوا كثرة ، ثم لما قرب جنى الثمار تذاكروا فيما بينهم ماذا يفعلون كما كان أبوهم يفعل؟ لا. إنه كان رجلا طيبا ، وكان فردا واحدا منهم تبعاته قليلة ، أما نحن فجماعة ولنا أولاد ، وبأى شيء يستحق المسكين في البستان؟ ونحن الذين قمنا بالحرث والزرع والتسميد. لا. لا. لن نعطى أحدا ، قالوا هذا إلا واحدا منهم وعظهم فلم يتعظوا ، وأمرهم فلم يأتمروا ، وكان واحدا وهم جماعة ؛ فنزل على إرادتهم مكرها ، ولا تنس قول الله : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) [سورة البقرة آية ٢٦٨].
عقدوا أمرهم عشاء على أن يذهبوا مبكرين في الصباح ليصرموا الجنة وحدهم بدون أن يعلم المساكين ولم يقولوا : إن شاء الله ، وظنوا أنهم قادرون على منعهم ، وبيناهم كذلك إذ طاف عليها طائف من ربك ، وطرقها بلاء عظيم لم يكن للإنسان فيه أى مدخل ، فأصبحت كالبستان المصروم ثمره. أصبحت كقطعة الليل ظلاما ، أرأيت إلى حقل القطن بعد الجنى؟ إنه كالليل الأسود.
فلما رأوها هكذا ، بعد أن ساروا ليلا في السر ، وكتموا أنفاسهم حتى لا يعلم مسكين قصدهم ، لما رأوها قالوا : يا ويلنا إنّا لضالون حيث منعنا حقوق المساكين وغفلنا عن قدرة الله الكبير ، ثم بعد ذلك ذهبوا إلى أبعد من هذا قائلين : لا تظنوا أنا حرمنا المساكين بفعلنا هذا. لا. ليسوا محرومين أبدا فإن الله موجود ، ولكن نحن