لذلك جاء الإسلام يعلل ويعالج ، ولا يترك المحتاج يتخبط بل يرسم الطرق الحكيمة ، ويضع العلامات واللافتات حتى تصبح الصراط المستقيم ، فاستمع إلى القرآن وهو يغرس في نفوس المسلمين العزة والكرامة ، ويربيهم على أنهم لا يلتفتون إلى الكفار والمنافقين مهما كان شأنهم ، يقول : إن الله كان عليما بالمصلحة والصواب حكيما لا يأمر ولا ينهى إلا بداعي الحكمة الحكيمة. فنفذوا النهى ، وامتثلوا الأمر فإن هذا خير لكم ، والعلاج الثاني هو أن يتبع ومن معه ما يوحى إليه من لدن رب العالمين ، إنه بما تعملون خبير فيوحى إليكم بكل نافع ؛ إذ هو خبير بالعباد بصير ، والعلاج الثالث هو التوكل على الله حقا ، والاعتماد على جنابه اعتمادا حقيقيا ، لا شبهة فيه ولا ادعاء ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، وكفى به وكيلا.
يا لله ، كأن القرآن ينادينا ويحذرنا من طاعة الكفار المنافقين والركون إليهم والاستماع لهم ما داموا يقفون منا موقف العناد ، ويثيرون علينا غبار الذل والهوان ، ولا علينا شيء بعد هذا ، ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، ثم يقول : ثقوا بالله ، إنه عليم حكيم فنفذوا أمره واجتنبوا نهيه ، وعليكم باتباع القرآن وتنفيذه في كل صغير وكبير مع أنفسكم ومع إخوانكم وفي بيوتكم وأسركم ، ثم بعد هذا توكلوا على الله فإنه من يتوكل عليه يكفيه كل مكروه ، واعلموا أن الله يدافع عن الذين آمنوا.
وعلى هذا فالواجب علينا ما دمنا مؤمنين بالقرآن والنبي أن نطبق هذا الحكم ، وأن نعالج أنفسنا وأمراضنا باتباع القرآن حقا في كل شيء ، والتوكل على الله.
وانظر إلى قوله تعالى بعد هذا : ما جعل الله لرجل ـ أيا كان ـ قلبين في جوفه ، والقلب محل التوجيه ، ومبعث الاتجاهات والعواطف ، فإذا كنت مع الله ورسوله وليس في قلبك مثقال ذرة من كفر أو نفاق ، فلن تكون غير مؤمن صالح كامل متبع للقرآن داع له ولحكمه ، متوكل على الله ، والعرب تفهم في هذا أنه لا يجتمع اعتقادان متغايران في قلب كما لا يجتمع قلبان في جوف ، ولا يصح أن تكون أخلاقنا وآدابنا من واد وديننا من واد ، ونظامنا واقتصادنا من واد آخر.
ومن هنا كان استدراجا محكما حيث نفى اجتماع الزوجية مع الظهار ، والتبني مع النسب الصريح بعد ما نفى وجود اجتماع اتجاهين مضادين في قلب واحد.