شاخصين بأبصارهم لك. (عِزِينَ) : جمع عزة ، وهي العصبة والجماعة ، وكأنها سميت بذلك لأنها تعزى وتنتسب إلى رأى خاص يجمع بين أفرادها ، والمراد أنهم كانوا يجلسون حوله جماعات. (بِمَسْبُوقِينَ) : بمغلوبين. (فَذَرْهُمْ) : اتركهم. (يَخُوضُوا) : يتحدثوا في الباطل. (الْأَجْداثِ) : جمع جدث ، وهو القبر. (سِراعاً) : مسرعين. (نُصُبٍ) جمع أنصاب ، وهو كل ما نصب وأقيم للعبادة. (يُوفِضُونَ) : يستبقون ويسرعون. (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) : ذليلة كسيرة.
وهذا ختام للسورة بديع ، إذ بعد أن رد على سؤالهم عن العذاب ، ووصف ما يلاقونه يوم الحساب ، تعرض إلى طبيعة الإنسان ، وبين علاج ذلك ، يذكر صفات المؤمنين عادة إلى المكذبين ليختم السورة ببيان حالهم ونهايتهم وتهديدهم.
المعنى :
كان المشركون إذا سمعوا النبي يتلو القرآن أقبلوا مسرعين عليه مادى أعناقهم إليه شاخصة أبصارهم نحوه ، خائفين مضطربين ، حتى إذا اجتمعوا به هدأت نفوسهم قليلا فجلسوا متفرقين حوله عن اليمين وعن الشمال جماعات جماعات كأنهم يأتون أول الأمر وجلين خائفين حتى إذا هدأت قلوبهم ـ نوعا ما ـ تحلقوا حول النبي حلقا هنا وهناك يتساءلون ـ مع الإعراض والهزء به ـ ماذا قال؟ فإذا سمعوا من آيات الله وصف الجنة ، وما أعد للمؤمنين فيها من نعيم مقيم ، مالت رؤوسهم هازئين ساخرين قائلين : إن كان هؤلاء القوم ـ أتباع محمد ـ سيدخلون هذه الجنة ، فنحن أولى بها فإنا أشراف العرب وساداتها وهم خدمنا وعبيدنا.
فقال تعالى متعجبا من حالهم ومنكرا له : أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم!! عجبا لهؤلاء القوم! كلا وألف كلا! ليس الأمر كما زعموا ؛ إن الجنة أعدت للذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات من الأعمال ، إنا خلقناهم وخلقنا غيرهم مما يعلمون : من ماء مهين ، من نطفة قذرة ، فالكل سواء في هذا ولا فضل لشريف على غيره. وإنما الفضل ـ وأعلاه دخول الجنة ـ يكون بالإيمان لا بغيره ، وما لكم تستبعدون ذلك؟ أليس الله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ... إلخ؟ فالقادر على ذلك قادر على البعث وإعطاء كل ذي حق حقه.