وبخبركم بأننا طلبنا بلوغ السماء لنسمع كلام أصحابها كما كنا فوجدناها قد ملئت حرسا قويّا من الملائكة أعد لطرد من يسترق السمع ، وملئت شهبا رصدا لمن يريد السمع لتحرقه.
ونخبركم كذلك بأننا كنا نقعد منها مقاعد كثيرة لاستراق السمع قبل بعثة النبي صلىاللهعليهوسلم فمن يستمع الآن يجد له شهابا خاصا به رصد لأجله لا يخطئه ، وهذه الشهب لا يمنع وجودها الآن وقبل الآن ، وكونها ظاهرة طبيعية لا يمنع أنها أعدت بعد البعثة لذلك مع صفتها الأصيلة ، وكثرت لهذا الغرض ، ويفيد ذلك قوله : «ملئت».
وآمنا بأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض بحراسة السماء أم أراد بهم ربهم رشدا وخيرا؟
وآمنا بأنا منا الصالحون ، أى : في أنفسهم ، الطيبون في المعاملات مع غيرهم ، المائلون للخير بطبعهم ، ومنا غير ذلك ، وهم كثير ، كنا طرائق مختلفة حيث وكلنا إلى أنفسنا.
وآمنا بأنا لن نعجز الله ولن نفلت منه أبدا أينما كنا في الأرض ولن نعجزه هاربين منها إلى السماء ؛ فالكل في قبضته وتحت تصرفه.
وآمنا بأنا سمعنا الهدى ، أى : القرآن فآمنا به من غير تلعثم وتردد فمن يؤمن بربه وبما أنزله ـ عزوجل ـ فلا يخاف نقصا ولا يخاف ظلما إذ لا يظلم ربك مثقال ذرة. وفي الواقع أن ربك لا يظلم أحدا بل الكل يأخذ جزاءه ، لكن نصت الآية على أن المؤمن لا ينقص من حسناته! ولا يبخس شيء من عمله.
وبعد سماع القرآن آمنا بأنا منا المسلمون ، ومنا القاسطون الجائرون على طريق الهدى ، فأما المسلمون المهذبون فأولئك قوم توخوا العدل والحق وقصدوه واتبعوه وآمنوا وعملوا : وأما القاسطون الجائرون عن سنن الحق والعدل والكرامة التي هي سنن الإسلام فأولئك مأواهم جهنم بل كانوا لها حطبا ووقودا.
تلك حقائق إسلامية أوردها القرآن على لسان الجن فكانت دواء لكثير من أمراضنا وتصحيحا لكثير من أفهامنا.