الخلق ، ويكون في أمر عجيب وشأن خطير ، والمراد أن عدد الخزنة أمر عجيب كالمثل. (جُنُودَ رَبِّكَ) : أنصاره وأعوانه ، والمراد هنا : صنف من الخلق. (ذِكْرى لِلْبَشَرِ) : موعظة وعبرة.
المعنى :
لقد رسم الله ـ سبحانه وتعالى ـ الخطوط لنجاح الدعوة المحمدية باستكمال العقل وتحرره من الشرك ، وباستكمال النفس بالخلق الكامل والمثل العليا ، وبتطهير الجوارح والروح بالبعد عن المعاصي والمحارم ، ولقد ذكر صفتين لهما وضع خاص ، هما الجود والصبر ، وبعد ذلك بين ما يلاقيه الكفار يوم القيامة ، ثم أراد أن يشجع الرسول على التبليغ فذكر أحد زعماء الشرك وتوعده بسقر التي هي لواحة للبشر ، هذه هي دعائم نجاح الرسول في دعوته ، وتلك سنة الله في الدعوات كلها لا يستقيم لها أمر إلا بهذا.
ذرني ومن خلقته وحدي بلا شريك معى ، اتركه لي وثق أنى قادر عليه ؛ لقد خلقته وحيدا لا مال له ولا ولد ولا حول له ولا قوة ، حتى إذا أنعمت عليه بالمال والولد قام يكفر بي ويكذب رسلي ، لقد مهدت له الدنيا ووسعتها عليه توسيعا ، ثم بعد ذلك يطمع أن أزيده من نعمى ، أو ثم يطمع أن أزيده فأرسله رسولا!! كلا إنه كان لآياتنا القرآنية معاندا ومكابرا ، وماذا يكون جزاؤه؟ سأرهقه صعودا ، أى : سأحمله من العذاب نوعا شاقاّ عليه تضعف عنه قوته كما تضعف قوة من يصعد في الجبل في طريق وعر ، وكأن سائلا سأل : كيف كانت حالته في معاندة الآيات حتى استحق هذا العذاب؟ فأجيب : إنه فكر فيها وقدر ، وهيأ في نفسه أمرا وأجال فيها رأيا يقوله ليرضى الباطل وأهله.
فقتل كيف قدر؟ ثم قتل كيف قدر؟ وهذا كما يقولون : قاتله الله ما أشجعه! في معرض التعجب والاستعظام مدحا للشخص الذي يقولون فيه هذا الكلام ، وكأنه بلغ حدا يجعل حساده يقولون له هذا ، ثم شاع هذا الاستعمال حتى صار يقوله كل معجب بشخص أو كل محب له ، أما العبارة في الآية فليس المقصود منها المدح ، وإنما هي للتعجب المشوب بالذم ، أو المدح الذي فيها للتهكم والاستهزاء ، ثم بعد أن فكر وقدر نظر في جمهور النادي نظر المفكر الساهم ، ثم قطب وجهه وقلص عضلات حاجبيه واشتد ذلك التقطيب متهيئا للكلام والحكم القطعي في شأن الرسول والقرآن.