أقسم ـ تبارك وتعالى ـ بالرياح لما لها من الأثر الفعال في حياة العالم بل في وجود هذا الكون ، أقسم بها ليلفت النظر إليها كما أقسم بالكواكب في سورة النازعات ، وبالخيل في سورة العاديات ، على أن الرياح والكواكب والخيل كلها تعدو وتسير وكلها من صنع الجليل القدير جل شأنه.
أقسم بالرياح التي أرسلت بعد ركودها تحمل السحب ؛ وتلقح الشجر ، وتحمل البذر ، وتدفع السفن ، إلى غير ذلك ، وهذه الرياح التي أرسلت متتابعة الهبوب كشعر الفرس الذي ينبت في محدب رقبته ، وهي بعد الإرسال تأخذ في العصف بشدة ، فالعصف عقب الإرسال ، ولذا عطف بالفاء.
وأقسم بالرياح الناشرات (١) نشرا التي تنشر السحب وتبسطها في الفضاء ، وبعد ذلك تأخذ في تفريقها وتوزيعها على من يشاء من عباده (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) [الأعراف ٥٧] وهذه الرياح بعد أن تفرق السحب وتوزعها على من يشاء تلقى في قلوب الناس ذكر الله ـ سبحانه وتعالى ـ الذي أرسلها ومن عليهم بها ، وهذا معنى قوله تعالى (فَالْفارِقاتِ فَرْقاً* فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) والناس حينما يذكرون الله وقت هبوب الرياح وحملها للسحب ، منهم من يذكر الله مؤمنا به وبصفاته ، ومصدقا بوحيه ورسله وكتبه فيكون هذا عذرا له عند ربه في محو سيئاته ، ومنهم من يكون ذكره بمثابة الإنذار له بسوء حيث ينسب هبوب الرياح وسقوط الأمطار لغير الله كالطواغيت والأصنام أو الأنواء والكواكب كما كانوا يقولون : مطرنا بنوء كذا.
أقسم الله بهذه الرياح على أن ما توعدون به من البعث والثواب والعقاب واقع لا محالة.
مقدمات البعث : فإذا النجوم طمست ، وذهب ضوؤها بعد أن كانت مضيئة ؛ وإذا السماء فرجت وتشققت أجزاؤها بعد أن كانت ملتحمة متينة الوضع والتركيب قوية الجاذبية. (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق ١](وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) [النبأ ١٩] وإذ
__________________
(١) ويظهر أن العطف بالواو على هذا المعنى لتباين صفة العصف مع النشر ، بخلاف غيرها ؛ فكأن القرآن نزل تغاير الصفة منزلة تغاير الذات على هذا.