بالإغراق ، وكان آية لمن بعده ، وهو في الآخرة في جهنم وبئس القرار ، فأخذه الله ونكل به نكال الآخرة والأولى ، وكان عقابه نكالا له ولغيره ، إن في ذلك لعبرة ولكن لمن يخشى ، فاعتبروا يا أولى الأبصار!!
وهذا فرعون مصر الجبار العنيد لم يعجز الله في شيء ، فأين أنتم يا كفار مكة منه! وهكذا سنة الله في خلقه يكذبون الرسل ، ولا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم ، فصبرا يا رسول الله. وبعد ذلك خاطب المشركين موبخا لهم ومبكتا على إنكارهم البعث بعد ما بين لهم سهولته على الله وأنها صيحة واحدة فإذا هم قيام أحياء يحاسبون ، خاطبهم بقوله : أأنتم أشد خلقا أم السماء؟ فكأنه يقول لهم : إنكم خلقتم من ماء مهين ، وأنتم مع هذا ضعاف عاجزون لا تملكون لأنفسكم نفعا ولا ضررا. ولا موتا ولا حياة ، وهذه هي السموات بديعة الخلق ، حسنة الشكل ، قوية التركيب ، متينة البناء ، محكمة لا عوج فيها ولا اضطراب رغم كثرة الدوران وسرعة السير ، أليس عالم السماء وما فيه آية على قدرة الله ، وعلى أن خلقه أعظم منكم خلقا؟!
فالله بنى السماء بناء محكما ، ورفع سمكها إلى حيث شاء! فسواها حيث وضع كل جرم سماوي في وضعه لا يتعداه ، وله فلك يسبح فيه لا يتخطاه ، وبين كل الأجرام تجاذب وترابط بحيث لم يند عن المجموعة جرم ، وإذا أراد الله شيئا انتهت الدنيا وبطل هذا النظام. وانظر إلى ذلك الكون العجيب وإلى وضعه الدقيق ، فهذه الشمس والأرض ودوران كل في مداره بحكمة ودقة ، كيف ينشأ عنهما الليل والنهار (أَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها) والأرض بعد ذلك دحاها وبسطها ومهدها للحياة بحيث يستطيع الحيوان السير عليها ، والمعيشة فوقها. وقد أخرج منها ماءها ومرعاها ، وقد أرسى عليها الجبال الرواسي الشامخات لئلا تميد وتضطرب ، ولتكون مصدرا للمنافع ، كل ذلك خلقه الله متعة لكم ومنفعة لكم ولأنعامكم.
وهذا وصف عام لبعض أهوال يوم القيامة لعلهم يعتبرون!
فإذا وقعت الواقعة ، وجاءت الداهية الكبرى التي يصغر أمامها كل حدث ، وينسى صاحبها كل شيء إلا هي ، تلك هي الطامة الكبرى تكون يوم القيامة ، يوم يتذكر الإنسان أعماله حيث يراها مكتوبة أمامه في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، يوم تبرز جهنم بصوتها المزعج ، وهي تفور تكاد تميز من الغيظ.