يحتاج إلى إقسام ، أو المعنى : لا أقسم بهذه الأشياء لعظمها فإنها عظيمة في نفسها ولو لم يقسم بها ، والمعنى على القسم بها قسما مؤكدا ، وأقسم بالليل إذا عسعس وأدبر ظلامه ، والصبح إذا أضاء وظهر (١) أقسم بهذا على أن القرآن قول رسول كريم وهو جبريل لأنه حمله إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فنسب إليه ، هذا الرسول ذو قوة في العقل (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى) (٢) فهو شديد القوى ذو حصافة في العقل والرأى ، عند ذي العرش جل جلاله ، مكين ، أى : صاحب مكانة وشرف ، والعندية عندية تشريف وإكرام لا عندية مكان ، وهو مطاع في الملأ الأعلى : أمين على الوحى وعلى نقله ، وما صاحبكم هذا بمجنون كما يصفه المشركون ، وهو على ثقة من جبريل حين يبلغه ، والحال أنه رآه على صورته الأصلية بالأفق العالي الظاهر ـ عند سدرة المنتهى ـ وما محمد على الغيب ، أى : الوحى بمتهم بل هو صادق في خبره ، ويؤيد هذا المعنى قراءة بظنين ، وقيل : وما هو على الغيب ببخيل ، فليس مقصرا في تبليغ الوحى ، وما هذا القرآن بقول شيطان رجيم ، حيث إن محمدا أمين ، وليس مجنونا : وما هو على الغيب بمتهم إذ ليس هذا القرآن قول شيطان ، ولا قول كاهن ، وليس أساطير الأولين.
فأين تذهبون (٣) وأى طريق تسلكون؟ وأية حجة تقولون؟ بعد أن سدت عليكم كل الطرق وأقيمت عليكم الحجج والبراهين ، وبطلت جميع المفتريات التي تفترونها.
ما هذا القرآن إلا ذكر وتذكرة وموعظة وعبرة ، عظة للعالمين لمن شاء أن يستقيم على الجادة ويسير على سواء السبيل ، والمعنى أن من شاء الدخول في الإسلام ـ لمن شاء منكم أن يستقيم ـ هو الذي ينتفع بهذا الذكر الحكيم ، أما غيرهم فقد ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ، وعلى أبصارهم غشاوة ، فلا يمكن أن يروا نور الحق ، ولا أن يهتدوا بنور القرآن.
ولكن هل مشيئة العباد مطلقة غير خاضعة لأية قوة أو مشيئة أخرى؟ الجواب : إن إرادتكم الخير خاضعة لإرادة الله ولا تكون إلا بعد مشيئة الله رب العالمين ، فهو سبحانه
__________________
(١) في قوله (والصبح إذا تنفس) استعارة تصريحية تبعية ، أو هي مكنية على تشبيه الصبح بماش وآت من مسافة بعيدة وإثبات التنفس قرينة ، وإسنادها له تخييل.
(٢) سورة النجم آية ٦.
(٣) هذا الاستفهام للإنكار ، والتعجيز.