إذا كان الأمر كذلك فذكر يا محمد الناس بالقرآن وعظهم واعلم أن الناس نوعان فريق تنفعه الموعظة ، وفريق لا تنفعه ، وسيذكر بها ويتعظ من في قلبه نوع من الخشية لله ، والإيمان بالغيب ، وسيتجنبها الشقي المغلق القلب الذي لا يؤمن بالله ولا بالغيب. وهذا سيصلى نارا ذات لهب ، النار الكبرى التي تكون يوم القيامة : أما نار الدنيا فمهما كانت فهي صغرى! ثم هو فيها لا يموت بل يظل معذبا عذابا شديدا ولا هو فيها يحيى حياة سعيدة : حياة يحبها.
ولا عجب في ذلك ، قد أفلح من تطهر من دنس المعاصي ورجس عبادة الهوى والأصنام (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) (١) قد أفلح من زكى نفسه ، وقد خاب من دساها ودنسها بالمعاصي ، قد أفلح الذي طهر نفسه ، وذكر اسم ربه فخشع له وخضع ، ذكر ربه فوجل قلبه ، واضطربت نفسه ، وفاضت عينه ، فقام بالعمل الصالح الذي ينفعه (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) وهذا إشارة إلى الداء الكامن ، والسبب الحقيقي في معصية العاصي وكفر الكافر ، والسبب هو إيثار الدنيا على الآخرة ، وحب العاجلة الفانية ، فحسب الدنيا رأس كل خطيئة حبها ، بمعنى أنك تعبدها وتتفانى في خدمتها ، مع أن الآخرة خير بلا شك منها ، وهي أبقى لك ، فلن تأخذ من دنياك إلا ما قدمته يداك من صالح الأعمال ، والآخرة خير وأبقى.
ولا تظنوا أن محمدا أتى بالجديد. لا. إن هذا ـ الشرع المحمدي ـ لفي الكتب الأولى ، كتب إبراهيم وموسى ، إذ الكل متفق على توحيد الله ، وتنزيهه وإثبات البعث وتصديق الرسل.
__________________
١ ـ سورة المؤمنون الآيات ١ ـ ٣.