ولعل تصدير الكلام بضمير الشأن ـ هو ـ للتنبيه من أول الأمر على فخامة الكلام الآتي ، ولبيان أنه من الخطورة والروعة ما يجعلك تبحث عنه وتلتفت إليه. وذلك أن الضمير يدعوك إلى ترقب ما بعده ، فإذا جاء تفسيره وتوضيحه تمكن في النفس أى تمكن ، ولعلك تسأل : أما كان الأولى أن يقال : اللّه الأحد بدل أحد؟ والجواب على ذلك : أن المقصود إثبات أن اللّه ـ جل جلاله ـ واحد ليس متعددا في ذاته ، ولو قيل اللّه الأحد لأفادت العبارة أنهم يعتقدون الوحدانية ويشكون في ثبوتها للّه. مع أن المقصود نفى العدد لأنهم كانوا يعتقدونه ولهذا قال : اللّه أحد اللّه الصمد ، أى : ليس فوقه أحد ولا يحتاج إلى أحد ، بل هو وحده الذي يحتاج إليه كل ما عداه ، إليه وحده يلجأ الخلق في الشدائد والأزمات جل جلاله وتباركت آلاؤه.
(لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ) وهذا تنزيه للّه عن أن يكون له ولد أو بنت أو والد أو أم ، أما كونه لا ولد له فهذا رد على المشركين الذين يقولون : الملائكة بنات اللّه ، وعلى النصارى واليهود الذين يقولون : العزير والمسيح أبناء اللّه ، ولم يكن اللّه مولودا كما قالت النصارى : المسيح ابن اللّه ثم عبدوه كأبيه ، أما استحالة أن يكون له ولد فإن الولد يقتضى انفصال جزء من أبيه وهذا بلا شك يقتضى التعدد والحدوث ومشابهة المخلوقات ، على أنه غير محتاج إلى الولد فهو الذي خلق الكون وهو الذي فطر السموات والأرض وهو الذي يرثهما.
أما استحالة كونه مولودا فهي من البديهيات الظاهرة ؛ لاحتياج الولد إلى والد ووالدة ، وإلى ثدي ومرضعة ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) نعم ما دام واحدا في ذاته ليس متعددا ، وليس والدا لأحد ولا مولودا لأحد ، فليس يشبه أحدا من خلقه ، وليس له مثيل أو نظير أو ند أو شريك سبحانه وتعالى عما يشركون.
وهذه السورة مع وجازتها ردت على مشركي العرب وعلى النصارى واليهود كما مر وأبطلت مذهب المانوية القائلين بالنور والظلمة ، وعلى النصارى القائلين بالتثليث ، وأبطلت مذهب الصابئة الذين يعبدون النجوم والأفلاك ، وردت على مشركي العرب الذين زعموا أن غيره يقصد عند الحوائج ، وأن له شريكا تعالى اللّه عن ذلك كله.