وقوله تعالى : (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) هذا حكم ثان ، أن المتمتع عليه الهدي. ووجه الدلالة على الوجوب أنه مقدر ، فعليه ما استيسر ، فيكون محله الرفع ، أو يكون منصوبا ، ويقدر فعل محذوف ، أي : فليفعل ، أو فليهد ، وهذا إجماع.
ومعنى ما استيسر ، أي : ما تيسر ، مما يطلق عليه اسم الهدي ، من بدنة ، أو بقرة ، أو شاة.
وقد قال القاسم عليهالسلام : إمكانه وتيسره بالغنى ، والجدة ، وهو كما قال ؛ لأن من كان معه مال تيسر عليه الهدى ، وإن كانت بدنة ، ومن فقد المال تعذر عليه الهدى ، ولو شاة.
وإذا قامت الدلالة بوجوب ما تيسر من الهدى ، فهل لمن وجب عليه أن يأكل منه أم لا؟.
وهذا حكم ثالث.
وقد اختلف العلماء في ذلك ، فعامة أهل البيت عليهمالسلام ، ومالك ، وأبو حنيفة جوزوا له ذلك ، أخذا بعموم قوله تعالى في سورة الحج : (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها) [الحج : ٣٦] فعم جواز الأكل ، إلا ما خصه الدليل ، من هدي الإحصار والجزاء والكفارة.
وقوله تعالى : (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) [الحج : ٢٨ ـ ٢٩] والهدى الذي ترتب عليه قضاء التفث هو هدي القران والتمتع ؛ لأن سائر الهدايا لا يتعلق بها قضاء التفث ، ولا يقال : إنه جبر لنقص ؛ لأن النقص ليس منه ، فيشبه جزاء الصيد ، لكن المراد أن الثواب جبر بالهدي فكان نسكا ، وكون البقرة تجزئ عن سبعة ، والبدنة عن عشرة ، أو سبعة على الخلاف ، فذلك مأخوذ من غير الآية.