الثالث : أنه تعالى قال : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وهذا يقتضي أن يكون الطلاق على وجه يسمع ، وهو وقوعه باللفظ لا بانقضاء المدة ، وقد قال الزمخشري : العازم على الطلاق لا يخلو من مقاولة ، وحديث نفس ، وحديث النفس لا يسمعه إلا الله تعالى ، كما يسمع وسوسة الشيطان.
الرابع : أن الفاء للتعقيب في قوله تعالى بعد أن ذكر التربص (فَإِنْ فاؤُ) وقد قال الزمخشري (١) : ليست للتعقيب المذكور ، وإنما هي لتفصيل قوله (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ) ثم فصل بقوله : (فَإِنْ فاؤُ وَإِنْ عَزَمُوا) والحنفية شبهوا مدة التربص بالعدة في الرجعي ، لأنها إنما شرعت لعدم الندم.
الحكم الخامس : إذا امتنع الزوج من الطلاق على قولنا : إنه لا يقع الطلاق بمضي المدة ، ماذا يكون الحكم؟ فمذهبنا ، والشافعي في القديم : أنه يحبس ولا يطلق عنه الحاكم ؛ لأن الآية قد قضت بتخيير الزوج. فلو قلنا : يطلق الحاكم بطل خياره ، وكما لا يطلق إذا ضارر الزوج وتمرد عن الإنفاق على قولنا.
وقال مالك ، وأحد قولي الشافعي : يطلق عنه الحاكم لدفع الضرر.
واعلم أن مخالفة الأصل للمصلحة العامة لا يقول به أكثر الفقهاء ، وهو الذي يعرف بالقياس المرسل ، والمنقول عن مالك العمل به ، وقد
__________________
(١) ولفظ الزمخشري (فإن قلت : كيف موقع الفاء إذا كانت الفيئة قبل انتهاء مدّة التربص؟ قلت : موقع صحيح لأن قوله (فَإِنْ فاؤُ) ، (وَإِنْ عَزَمُوا) تفصيل لقوله (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) والتفصيل يعقب المفصل ، كما تقول : أنا نزيلكم هذا الشهر ، فإن أحمدتكم أقمت عندكم إلى آخره ، وإلا لم أقم إلا ريثما أتحوّل).