(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) [آل عمران : ٧٥] فإنه يفهم من الأول تأدية ما دون القنطار ، ويفهم من الثاني عدم تأدية ما زاد على الدينار ، وهذا يعرف بمعرفة المقصود ، وأنه أشد مناسبة في المسكوت.
واختلفوا في تسمية هذا فقال قاضي القضاة ، والغزالي ، وابن الحاجب : ليس بقياس ، وقال أبو الحسين وغيره : إنه قياس جلي ، وكان جليا لما كان الحكم في المسكوت أولى من المنطوق.
واحتج الأولون بمعرفة ذلك لغة قبل ثبوت القياس ، ومن ثم قال بهذا النافون للقياس.
ثم إن دلالة هذا على ضربين : قطعية كالأمثلة المتقدمة ، وظنية كاستدلال من أوجب الكفارة في قتل العمد من إيجابها في قتل الخطأ ، واستدلال من أوجبها في اليمين الغموس من إيجابها في غير الغموس ، وهذا مذهب الشافعي رضي الله عنه وإنما كانت الدلالة هنا ظنية ؛ لأن العمد وإن كان أولى بالمؤاخذة فيجب فيه الكفارة ؛ لكنا لا نعلم أن العلة لوجوبها المؤاخذة لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) والمراد رفع المؤاخذة ، بل وجبت على الخاطئ لإسقاط ذنب التقصير (١) ، وجناية العمد فوق هذا فلا يلزم من إيجابها لأخف الذنبين إيجابها لأغلظهما (٢).
فأما مفهوم المخالفة فهو أن يكون المسكوت عنه مخالفا للمنطوق به ، ويسمى دليل الخطاب ، وإنما سمي مفهوما ؛ لأنه تجرد عن دلالة النطق.
__________________
(١) ولو قال : إن الكفارة في الخطأ وجبت تعبدا كان أحسن وأسلم من الايراد.
(٢) لقائل أن يقول : هذه مؤاخذة من حيث قوبل به ذنب التقصير.
وعلل أصحابنا في كتب الفروع بأن لا يجتمع عليه غرمان في المال والبدن ، وفيه نظر ، لأنه يلزم أن تسقط الكفارة مع سقوط غرم البدن.