(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) [الحجر : ٤٢] ومثل قولنا : لا إله إلا الله ، ولا فتى إلا علي ، ولا سيف إلا ذو الفقار ، ولا مفتي في البلد إلا زيد ؛ فإن هذا ينفي غير المثبت بإلا ، وهو أقوى من المفهومات ، وقد قيل : دلالته قطعية (١) ، وهذا قول أكثر العلماء من أهل الأصول والفروع ، وقال أبو العباس (٢) من الأئمة ، وأبو حنيفة (٣) من
__________________
(١) وذهب ابن الحاجب إلى أنه منطوق.
(٢) أبو العباس هو : أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام ، الهاشمي ، الحسني ، السيد الإمام أبو العباس. قال المنصور بالله : «هو الفقيه المناظر ، المحيط بألفاظ العترة أجمع غير منازع ، ولا مدافع». قال الفقيه حسام الدين حميد الشهيد : قال أبو العباس : دخلت الري سنة ٣٢٢ ه حدث عن شيخ العلوية أبي زيد ، عيسى بن محمد العلوي ، وعبد الرحمن بن أبي حامد ، ويحي بن محمد بن الهادي ، وعليه سمع الأحكام ، والمنتخب ، ومنه اتصل إسناد أهل اليمن والجيل ، وعنه الأخوان جميع كتب الأئمة وشيعتهم ، وغيرهما ، وله مؤلفات منها : شرح الأحكام ، مسلسل الأحاديث ، وشرح الإبانة ، والمصابيح ـ تاريخ ـ وكان إماميا ، ثم رجع إلى مذهب الزيدية ، وقيل : لم يرجع ، توفي سنة ٣٥٣ ه.
(٣) أبو حنيفة هو : النعمان بن ثابت الكوفي أبو حنيفة ، مولى بني تيم الله بن ثعلبة ، فقيه العراق ، وعلامة الدنيا بالاتفاق ، مولده سنة ٨٠ ه رأى أنس بن مالك ، وروى عن عطاء بن أبي رباح ، وطبقته ، وتفقه على حماد بن أبي سليمان ، وكان من أذكياء بني آدم جمع الفقه والعبادة والورع ، والسخاء ، وكان لا يقبل جوائز الدولة ، بل ينفق ويؤثر من كسبه ، له دار كبيرة لعمل الخز ، وعنده صناع وأجراء ، قال الشافعي : الناس عيال في افقه على أبي حنيفة ، قلت : وفي أمالي المرشد بالله : الناس عيال على أبي حنيفة في الكلام.
وقال الشافعي : من أراد الفقه فليأت أصحاب أبي حنيفة ، وقال يزيد بن هارون : ما رأيت أورع ولا أعقل من أبي حنيفة ، وسمع رجلا يقول : هذا أبو حنيفة لا ينام الليل ، فقال : والله لا يتحدث الناس عني بما لم أفعل ، وكان يحي الليل صلاة وتضرعا ، ودعاه ، واتفق بالإمام زيد بن علي لما وصل الكوفة ، فدعا به وسأله عن مسائل ، فأعجب الإمام به ، وقد عدوه في الزيدية ، وصنف الزمخشري في مناقبه ـ