وقال الرازي : إن حدّت بشيء معلوم كقوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة : ١٨٧] كان ما بعد الغاية مخالفا لما قبلها ، وإن لم تحد بشئ معلوم لم يدل ، مثل قوله تعالى : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) [المائدة : ٦]. لأن انفصال المرفق عن اليد ليس منفصلا بمفصل محسوس ، فلا يجب أن يكون حكم ما بعده بخلافه.
الرابعة : التخصيص بالعدد ، فإذا علق الحكم بعدد مخصوص ، فاختلف هل في ذلك دلالة على نفي ما عداه؟ فقيل : فيه دلالة ، وقيل : لا دلالة فيه ، والذي لخصه أبو الحسين ، والرازي التفصيل ، وهو أن يقال إن كان العدد علة لعدم أمر ، فإنه يمتنع في الأكثر أولى وأحرى ، كقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا) فهذا أولى في الأكثر ، وإن لم يكن علة ، ولكنه متصف بإيجاب أو إباحة ، فلا دلالة على ثبوت الوجوب ، ولا الإباحة ، ولا نفيهما في ما زاد.
وأما دلالته على النقصان ، فإن كان الحكم وجوبا ، أو إباحة دل ذلك على وجوب ما دونه ، أو إباحته لدخوله تحته ، لا إن لم يدخل تحته ، كاستعمال قلة واحدة منفردة ، والحكم بشاهد واحد ، وإن كان الحكم حظرا لم يدل على حظر ما دون ذلك.
الخامسة : مفهوم الشرط اختلفوا إذا علق الحكم بشرط فانتفى الشرط ، هل يلزم من ذلك انتفاء الحكم مثل : (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) [الطلاق : ٦] فقال أبو الحسن ، والشيخ أبو الحسين (١) ، والكرخي ، والرازي ، وابن الحاجب ، وغيرهم : إن انتفاء الشرط يقتضي انتفاء المشروط ، وإلا خرج عن كونه شرطا ، وقال أبو
__________________
(١) في بعض النسخ (فقال أبو الحسين ، والشيخ أبو الحسن) وهذا موافق لما في الفصول.