هذا الشكل نظراً صائباً يفعله العقل السليم والتفكير المنطفي ، فان كل حادثة علی البسيطة او في الجو ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما سبقها او يلحقها حتى ما يهب من النسيم في بيوتنا فانه يرتبط بما حدث او بما سيحدث ، اي ان الحوادث التي وقعت في الكون استوجبت هبوب هذا النسيم وحركة الهواء ، فلابد للمرء اذن أن يلاحظ جميع الحوادث المرتبطة في هذه السلسلة الطويلة حتى يكون حكمه صحيحاً وموضوعياً ، فلو لاحظ مجموع ذلك لتغير حكمه وتبدل قضاؤه ولم يصف شيئاً والشذوذ ، ولم يسم شيئاً بالشرور.
واليك فيما يلي بعض الأمثلة على ذلك :
١ ـ اذا وقعت عاصفة على السواحل فانها لا شك تقطع الأشجار ، وتقطع الاكواخ ، وتقلب الأثاث والحاجيات في منطقة ما ، ولكنها ـ في نفس الوقت ـ تنطوي على آثار أخرى في حياة الناس في منطقة أخرى.
فهي مثلا توجب حركة السفن الشراعية المتوقفة في عرض البحر بسبب سكون الريح ، وبهذا تنقذ ، حياة المئات من ركابها اليائسين من نجاتهم ، وتوصلهم إلى شواطیء النجاة ، فهي اذن تنطوي على بعض الافات ، ولكنها بالنظر الى ارتباطها بحوادث أخرى تعتبر خيراً محضاً.
ان الرياح وان كانت تهدم بعض جدران الاسطح والاسوار ـ مثلا ـ الا انها في نفس الوقت تعتبر وسيلة فعالة في عملية التلقيح بين الأشجار والأزهار (١) ، وتحريك السحب المولدة للمطر (٢) ، وتبديد الأدخنة المتصاعدة من فوهات المصانع والمعامل التي لو بقيت ، وتراكمت لتعسرت او تعذرت عملية التنفس لدى
__________________
(١) قال سبحانه في الكتاب العزيز : وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ (الحجر ـ ٢٢).
(٢) قال سبحانه ايضاً : وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ (الاعراف ـ ٥٧).