وانما لم يقفوا عليها لان نظرهم كان جزئياً ، وبحثهم عن علل الاشياء مخصوصاً ، ويمتنع ان يعلم اسباب الاشياء الكلية بالانظار الجزئية لان افعال البارئ تعالی انما الغرض منها هو النفع الكلي والصلاح على العموم وان كان يعرض من ذلك ضرر جزئي ومكاره مخصوصة أحياناً ، وهكذا خلق الله الشمس والقمر والامطار لاجل النفع والمصلحة العامة وان كان قد عرض لبعض الناس والحيوان والنبات من ذلك ضرر .. ولما كان الأمر يؤول إلى الصلاح الكلي كانت تلك الشدائد من جهته صغيراً جزئياً» (١).
وعلى هذا فليست هذه الظواهر الطبيعية شروراً او شذوذاً ، فان هذه النظرة ـ كما قلنا ـ ناشئة من انطلاق الانسان في قضائه على هذه الظواهر ـ من منطلق نفعي أناني ، وأما اذا نظر إلى تلك الظواهر من زاوية النظام العام فلا يراها الا خيرات ضرورية التعادل النظام ولازمة لاتساقه ، ولاستمرار الحياة وبقائها.
٢ ـ الظواهر حلقات في سلسلة طويلة :
ان مطالعة كل ظاهرة من الظواهر بمعزل عن مطالعة بقية الظواهر في صفحة الكون مطالعة ناقصة ومبتورة ، لا تؤدي الا الى تلك النظرة المتشائمة.
فان الحوادث حلقات مترابطة متسلسلة في سلسلة ممتدة من اقصى الحياة الى أقصاها ، فما يقع الان يرتبط بما وقع في اعماق الماضي ، وبما سيقع في المستقبل في سلسلة من العلل والمعالیل ، والاسباب والمسببات.
من هنا لا يكون القضاء على ظاهرة من الظواهر بغض النظر عن ما سبقها وما يلحقها ، وتقييمها جملة واحدة ، قضاءاً صحيحاً وموضوعياً ، ولا النظر اليها دون
__________________
(١) الاسفار ج ٧ من صفحة ٨ ـ .